أشعر بالجوع لأول مرةٍ بعد الإعصار , فوجدت تفاحةً شكلّها جميلٌ يسّ الناظرين شهيةً لشخصٍ مثل ما ذاق شيئاً منذ دهر , ما أن تناولتها بيديّ حتى سمعت شخصاً ينادي من الفتحة , التفاحةُ ملعونةٌ , ففكّرت , الملعون غير المقدس واذا كان المقدّ س فعل بي ما فعل , فما الذي سيفعله بي الملعون , وتذكرت تلك الرائحة النتنة والكريهة من زهرتي التي كانت مقدّ سةً , لكني جائعٌ وتذكرت
الجملة التي رنّت بأذني قبل أربعين غفوة ( لولا التجارب لما انكشفت الحقائق ) فصممت أُذنيَ ّ عن السمع ولم أغترّ بمنظرها الجميل ولا ملمسها الناعم وسددت أنفي وقضمت التفاحة , وما أن
قضمتها حتى اجتاح الغرفة نورٌ وهاجٌ وأدركتُ أن للغرفة باباً فُتح على مصراعيه فخرجتُ وفهمتُ ما أمسى وما كان , فالناكسون على رؤوسهم هم فقط من نجوا من الإعصار وأنهم لم يكونوا ناكسين على رؤوسم بل أنا من كنت أراهم بميزاني المقلوب وأن ثباتهم بوجه الإعصار كان مستمداً من ثقل عقولهم الوزينة , وأن غرفتي الكروية المظلمة الصامتة ما كانت الا عقل الخاوي الذي لجأت له بعدما أحسست بخطر الأعاصير والدوامات لكنه لم يسعفني لانه مظلمٌ وصامتٌ و خاو لذا كانت الغرفة تزداد نوراً كلّما زودتها بمعلومة جديدة ويوم قررت ان أعتمد على حواسي وجدتها خادعة تصور لي الأشياء على غير حقيقتها وأدركت ما قاله جون لوك )) لو بحث الناس عن قواهم العقلية بحثاً جيداً وكشفوا عن الأفق الذي يفصل بين الاجزاء المضيئة والاجزاء المظلمة وميزوا بين ما يمكن فهمه وما لا يمكن لاطمأنوا إلى جهلهم في الجانب المظلم ورضوا به ولاستخدموا أفكارهم وأبحاثهم في الجانب الآخر استخداماً أنفع وأبعث على الاطمئنان ((