فنون طبية fnoon issue 2 | Page 29

رشة حبر

‎27‎

بقلم : حسنين العاكول

الحواس الخمس

( يكفينا معرفة الموضع الذي يبلغه الشعاع ولا نحتاج إلى ما لا يبلغه وإن عظم في ذاته فما لا يبلغه الشعاع لا يدركه الإحساس وما لا يحس به فليس معلوم ) البيروني

الدنيا تمور والشمس تكورت وانكدرت النجوم والأرض أصبح أسفلها عاليها دواماتٌ‏ وأعاصيرٌ‏ وزوابع والناس بين صاعد إلى أعلى عليين وهابطٍ‏ أسفل السافلين , إقتلعني الإعصار وأخذتني

إحدى الدوامات ورحت أتقلب كما الريشة في مهبّ‏ الريح العاتية , من الأعلى رأيت أناساً‏ , بضع أشخاص على عدد أصابع اليد الواحدة هؤلاء هم فقط من لم يقتلعهم الإعصار , ثابتون على الارض المستعرة ناكسين على رؤوسهم , رأسهم ثابت في الارض وأرجلهم إلى السماء , برغم الرعب الذي أنا فيه تتلاطمني الدوامات ذات اليمين وذات الشمال لكنني حزين عليهم ترى ما الذي فعله أولئك لتنكس رؤوسهم في الارض في يوم مهول كهذا الذي نحن فيه , يالحزني عليهم , بل يا لحزني على نفسي ويا حسةً‏ على عقل السقيم كيف صوّر ذلك لي كالعادة بأني أنا الناجي وكلّ‏ الناس هالكون يالعقل السقيم الذي صوّر لي نفسي وكأني أنا الريح , أسمع زمجرة الإعصار تقول لي إن كنت ريحاً‏ فقد لاقيت إعصاراً‏ ‏..‏ صعدت بي الزوابع مع أعمدة الدخان وتيّارات الجحيم التي اقتلعت كلّّ‏ شيء ‏..‏ الناس والبيوت والأثاث وحتى الأحلام والأغنيات والتاريخ والذكريات لم تذر شيئا على الأرض إلا واقتلعته عدا أُولئك الناكسون على رؤوسهم , في دوّامات الإعصار تارةً‏ يرتطم بي بشرٌ‏ وتارةً‏ يرتطم بي حجر ثم يرتطم بي كتاب , زهرة , تفاحة , باب , وكلّما ارتطمت بشي ترك فيَّ‏ ندبة لا تمُ‏ حى كأنها وشم عقاب عما اقترفته في سابق الأيام , أخذني الإعصار إلى شاهق الزمان ورماني في مكانٍ‏ حالك الظلمة شديد العتمة صامتٍ‏ كصمت المقابر , غرفة كروية الشكلّ‏ او هكذا خيل لي , فالشكلّ‏ الكروي اسهل الاشكال التي يمكن تخيلها حينما تضيع او حينما تشعر بالخطر يداهمك من كلّ‏ ناحيةٍ‏ وكأنك غريق في فضاءٍ‏ من الظلام الصامت المخيف

قد اكون تخيلتها كرويةً‏ لأسبابٍ‏ تتعلق بأيامي ما قبل الإعصار لأن عقل السقيم آنذاك كان دوماً‏ ما يصور لي بأني أنا الناجي الوحيد وأني مركز الكون وسيد الارض الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حتى أتتني الصرصر العاتية , لا يمكن احتساب الساعات او الايام التي امضيتها