هذا وبالتأكيد لم ينل طلعت حرب حتى وقتنا هذا التكريم الذي يستحقه !...
9
محنة البنك دخل طلعت حرب من خلال الشركات والمصانع التي شيدها كل بيت مصري وبغير منافس أصبح زعيماً اقتصادياً ، وإن ظل حريصاً على أن يكون بعيداً عن الصراعات السياسية والحزبية . وعلى الرغم من كافة النجاحات التي حققها البنك والإنجازات الاقتصادية التي قام بها إلاّ أنه في الأسابيع القليلة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية ظهرت بوادر أزمة في بنك مصر .. أزمة افتعلها وأعمل شباكها حوله الاحتلال البريطاني مستغلاً تكالب العديد من المودعين على سحب ودائعهم ، وأيضاً المحافظ الانجليزي للبنك الأهلي الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية ، بل أن الغريب في الأمر هو مسارعة صندوق توفير البريد الحكومي بسحب كافة ودائعه من بنك مصر وحده بالرغم من أن ودائعه في البنك الأهلي كانت أضعاف ما كان مودعاً ببنك مصر ، فلم يكن من الرجل العظيم إلاّ أن يحمل نفسه ويذهب إلى وزير المالية حسين سري باشا يرجوه واحداً من ثلاثة أمور ؛ إمّا أن تصدر الحكومة بياناً بضمان ودائع الناس لدى البنك ، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة ، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد .. فرفض سري باشا هذه الطلبات بإيعاز من علي ماهر باشا الناقم على طلعت حرب بسبب منحه مصطفى النحاس باشا خصمه اللدود قرضاً بعد
أن أنقصت الحكومة من معاشه ،
وطلب إليه أن يتنحى عن إدارة البنك مقابل إنقاذ البنك من أزمته ! فقبل على الفور هذا الشرط من أجل إنقاذ البنك وقال كلمته الشهيرة :
" من الآن ؛ ما دام في استقالتي حياةٌ للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك " . وبالفعل قدم طلعت حرب استقالته التي فوجئ بها الرأي العام المصري وآثر الإبقا على تاريخه عن إدارة البنك الذي أنشأه ورأسه ، ويؤكد سكرتيره الشخصي أن العبارة الوحيدة التي خرجت من فمه وهو يغالب دموعه كانت : " لقد مت ولم أدفن ! " . وجاء هذا دليلاً آخر على عبقرية طلعت حرب ؛ فقد أيقن أنه لا دوام للفرد وإنما الدوام لذكرى الفرد وعمله .
أوسمة وجوائز
في عام 1931 منحه الملك فؤاد الأول لقب صاحب السعادة ورتبة باشا أثناء زيارته لشركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى ، كما قام الملك عبد العزيز آل سعود بإهدائه كسوة باب الكعبة المشرفة تقديراً لجهوده في إقامة المشروعات التنموية بالمملكة ، وفي عام 1980م في الذكرى الستين لتأسيس بنك مصر تم تكريم اسم طلعت حرب حيث قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات منحه قلادة النيل العظمى تكريماً لمجهوداته العظيمة في الاقتصاد المصري .
هذا وبالتأكيد لم ينل طلعت حرب حتى وقتنا هذا التكريم الذي يستحقه !...
ما دام في استقالتي حياةٌ للبنك .. فلأذهب أنا وليعيش البنك
وفاته
عقب استقالته من إدارة بنك مصر ؛ انتقل طلعت حرب للعيش في قرية العنانية في مركز فارسكور بدمياط حيث عاش بعيداً عن الأضواء ، وكانت وفاة المغفور له بإذن الله الزعيم الاقتصادي الكبير محمد طلعت حرب في 20 رجب سنة 1360ه الموافق 13 أغسطس سنة 1941م عن عمر يناهز 74 عاماً بالقاهرة بمنزله الكائن بشارع رمسيس بعد أن أثبت للعالم أجمع قدرة الإنسان المصري على إدارة أعماله بمفرده دون الحاجة للوصاية الأجنبية عليه . وحضر الجنازة كلاَّ من : مندوب الملك ومصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء والعديد من الشخصيات الهامة مثل شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية ووكيل بطركية الأقباط ، كما نعاه العديد من الشعراء بقصائد رثاء مثل عباس العقاد و ‘ حسان عبد القدوس وأحمد شوقي . رحمه الله وأجزل ثوابه وأحسن إليه بقدر ما أحسن إلى هذه البلاد وأهلها .
9