Delta-N Journal مجلة دلتا نون May. 2014 | Page 18

‫مقاالت‬ ‫نحو تأسيس وعي اجتماعي خمتلف‬ ‫لهذا الفهم أساس يف التفاسري املعتربة، فقد أورد الطربي يف تفسريه لآلية : “{وأما بنعمة ربِّك فَحدثْ } قال:‬ ‫َ َّ ِ ِ ْ َ ِ َ َ َ ِّ‬ ‫بالنبوة، حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علَية، قال: ثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أيب نرضة، قال: كان املسلمون‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(((‬ ‫يرون أن من شُ كر النعم أن يحدثَ بها” .‬ ‫ِْ‬ ‫ّ‬ ‫كام أورد القرطبي رأياً مشابهاً حول معنى اآلية فقال: “أي انرش ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء. والتحدث‬ ‫بنعم الله، واالعرتاف بها شكر. وروى ابن أيب نجيح عن مجاهد ‘وأما بنعمة ربك’ قال بالقرآن. وعنه قال: بالنبوة؛‬ ‫ّ‬ ‫أي بلغ ما أرسلت به”(((، وللحق، فإن املفسرّين حني تناولوا اآلية مل يتهاونوا يف تفسري اآليات التي سبقتها، والتي‬ ‫تحض عىل مراعاة أمر اليتيم والسائل، بينام أىت التطبيق االجتامعي لآليات عىل اجتزاء كالم املفسرّين من سياقه،‬ ‫ّ‬ ‫فأصبح التطبيق العميل لآلية محصورا ً يف الحديث عن النعمة، مبختلف أشكال الحديث.‬ ‫بالعودة أيضاً إىل السورة التي تسبق سورة الضحى من حيث الرتتيب، وهي سورة الليل، سنجد أن اآليات‬ ‫تتكلم يف السورتني ضمن جو واحد، هو نفسه جو الحض عىل العطاء والنهي عن البخل وتكديس املال : {فَأَما من‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫أَعطَى واتَّقَى * وصدق بِالْحسنى * فَسنيسهُ لِلْيسرْى * وأَ‬ ‫َ ما من بَخل واستَغنى * وكَذَّب بِالْحسنى * فَسنيسهُ‬ ‫َ َ ُ َْ‬ ‫َّ َ ِ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ َ رِّ ُ‬ ‫َ ُ َ رِّ ُ ُ َ‬ ‫(((‬ ‫لِلْعسرْى * وما يُغنى عنه مالُه إِذَا تَردى} .‬ ‫ََ ِْ َُْ َ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫يف املحصلة ميكن قبول أي فهم وتطبيق لآلية، طاملا انسجم مع تحقيق االلتزامات االجتامعية التي تذكرها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لآليات. ‘فحدث’ يجب أن تكون مصداقاً لتدبري شؤون اليتيم، وملعالجة مشكلة السائل، للعطاء والتقوى، ولقهر‬ ‫ّ‬ ‫البخل وفتنة املال؛ إن كان الفهم والتطبيق كذلك فحدث وال حرج، ألنك إن فعلت ذلك، ستكون ترصفاتك هي‬ ‫ّ‬ ‫أول من سيحدث عنك، وسيكون من حقّك أن تحدث، بل ومن واجبك أيضاً!‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نفس اإلشكالية تواجهنا عند مراجعة التطبيق الجمعي آلية ثانية أتت ضمن سياق مختلف ضمن سورة‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ ِ َ ُّ َ ْ ِ‬ ‫القصص: {وابْتَغِ فيماَ آت َاك اللَّه الدار اآلخرة وال تَنس نَصيبَك من الدنْيَا وأَحسن كَماَ أَحسن اللَّه إِلَيْك وال تَبْغِ‬ ‫ْ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ ُ َّ َ ِ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫(((‬ ‫الْفَساد فيِ األَرض إِن اللَّه ال يُحب الْمفْسدين} . الفهم الشائع لآلية يظهر من خالل التطبيق السائد لها، حيث‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ َّ َ ِ ُّ ُ ِ ِ َ‬ ‫تستخدم اجتامعياً للتذكري برضورة أخذ القسط الرضوري من متع الحياة. املالحظ أن اآلية تقول {ال تنس نصيبك‬ ‫من الدنيا}، والطبيعي أن يكون خطاب ‘ال تنس’ موجهاً ملن هو عىل وشك النسيان أو قد نيس بالفعل، وأن تكون‬ ‫موجهة ألشخاص قد أجحفوا بحق أنفسهم وحق أقرب الناس إليهم. التطبيق االجتامعي لآلية يُظهر بدوره فهامً‬ ‫ّ‬ ‫مختلفاً عن ذلك، فتجد أن من يستخدمها يريد عملياً نصيباً إضافياً، يرى أن غريه قد سب