مقاالت
نحو تأسيس وعي اجتماعي خمتلف
لهذا الفهم أساس يف التفاسري املعتربة، فقد أورد الطربي يف تفسريه لآلية : “{وأما بنعمة ربِّك فَحدثْ } قال:
َ َّ ِ ِ ْ َ ِ َ َ َ ِّ
بالنبوة، حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علَية، قال: ثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أيب نرضة، قال: كان املسلمون
ُ
ّ
ّ
(((
يرون أن من شُ كر النعم أن يحدثَ بها” .
ِْ
ّ
كام أورد القرطبي رأياً مشابهاً حول معنى اآلية فقال: “أي انرش ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء. والتحدث
بنعم الله، واالعرتاف بها شكر. وروى ابن أيب نجيح عن مجاهد ‘وأما بنعمة ربك’ قال بالقرآن. وعنه قال: بالنبوة؛
ّ
أي بلغ ما أرسلت به”(((، وللحق، فإن املفسرّين حني تناولوا اآلية مل يتهاونوا يف تفسري اآليات التي سبقتها، والتي
تحض عىل مراعاة أمر اليتيم والسائل، بينام أىت التطبيق االجتامعي لآليات عىل اجتزاء كالم املفسرّين من سياقه،
ّ
فأصبح التطبيق العميل لآلية محصورا ً يف الحديث عن النعمة، مبختلف أشكال الحديث.
بالعودة أيضاً إىل السورة التي تسبق سورة الضحى من حيث الرتتيب، وهي سورة الليل، سنجد أن اآليات
تتكلم يف السورتني ضمن جو واحد، هو نفسه جو الحض عىل العطاء والنهي عن البخل وتكديس املال : {فَأَما من
َّ َ ْ
ٍّ
أَعطَى واتَّقَى * وصدق بِالْحسنى * فَسنيسهُ لِلْيسرْى * وأَ
َ ما من بَخل واستَغنى * وكَذَّب بِالْحسنى * فَسنيسهُ
َ َ ُ َْ
َّ َ ِ َ َ ْ ْ َ
َ َ َّ َ ُ ْ َ
ْ َ
َ ُ َ رِّ ُ
َ ُ َ رِّ ُ ُ َ
(((
لِلْعسرْى * وما يُغنى عنه مالُه إِذَا تَردى} .
ََ ِْ َُْ َ ُ
َ َّ
ُ َ
يف املحصلة ميكن قبول أي فهم وتطبيق لآلية، طاملا انسجم مع تحقيق االلتزامات االجتامعية التي تذكرها
ّ
ّ
لآليات. ‘فحدث’ يجب أن تكون مصداقاً لتدبري شؤون اليتيم، وملعالجة مشكلة السائل، للعطاء والتقوى، ولقهر
ّ
البخل وفتنة املال؛ إن كان الفهم والتطبيق كذلك فحدث وال حرج، ألنك إن فعلت ذلك، ستكون ترصفاتك هي
ّ
أول من سيحدث عنك، وسيكون من حقّك أن تحدث، بل ومن واجبك أيضاً!
ّ
ّ
ّ
نفس اإلشكالية تواجهنا عند مراجعة التطبيق الجمعي آلية ثانية أتت ضمن سياق مختلف ضمن سورة
ِ
َ ِ َ ِ َ ُّ َ ْ ِ
القصص: {وابْتَغِ فيماَ آت َاك اللَّه الدار اآلخرة وال تَنس نَصيبَك من الدنْيَا وأَحسن كَماَ أَحسن اللَّه إِلَيْك وال تَبْغِ
ْ َ َ ُ َ َ
َ ُ َّ َ ِ َ َ َ
َ
(((
الْفَساد فيِ األَرض إِن اللَّه ال يُحب الْمفْسدين} . الفهم الشائع لآلية يظهر من خالل التطبيق السائد لها، حيث
َ َ
ْ ِ َّ َ ِ ُّ ُ ِ ِ َ
تستخدم اجتامعياً للتذكري برضورة أخذ القسط الرضوري من متع الحياة. املالحظ أن اآلية تقول {ال تنس نصيبك
من الدنيا}، والطبيعي أن يكون خطاب ‘ال تنس’ موجهاً ملن هو عىل وشك النسيان أو قد نيس بالفعل، وأن تكون
موجهة ألشخاص قد أجحفوا بحق أنفسهم وحق أقرب الناس إليهم. التطبيق االجتامعي لآلية يُظهر بدوره فهامً
ّ
مختلفاً عن ذلك، فتجد أن من يستخدمها يريد عملياً نصيباً إضافياً، يرى أن غريه قد سب