Delta-N Journal مجلة دلتا نون May. 2014 | Page 19

‫نحو تأسيس وعي اجتماعي خمتلف‬ ‫ينظّمها، وأن يضعها يف خدمة بناء املجتمع، شأنها بذلك شأن جميع الغرائز البرشية. ويف الحديث أن رسول الله‬ ‫صىل الله عليه وآله وسلم قال: “كلوا وارشبوا وتصدقوا يف غري رسف وال مخيلة إن الله تعاىل يحب أن يرى أثر‬ ‫ً‬ ‫نعمته عىل عبده”(((، والحديث النبوي يحذّر اإلنسان بداية من الرسف ويحضّ ه قبل ذلك عىل الصدقة، قبل أن‬ ‫يرده إىل غريزته بعد أن أعاد له تنظيم حياته بالشكل الذي يخدم الهدف منها. وبحسب اآلية السابقة من سورة‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫القصص، فإن نصيب الدنيا يتموضع بالضبط ما بني التفكري بالدار اآلخرة من جهة {وابْتَغِ فيماَ آتَاك اللَّه الدار‬ ‫َ ُ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ْ َ َ ُ َ‬ ‫اآلخرةَ} ومنهج اإلحسان من جهة ثانية {وأَحسن كَماَ أَحسن اللَّه إِلَيْك}. ضمن هذه اإلحداثيّات املضبوطة يأيت‬ ‫َِ‬ ‫نصيبك من الدنيا. لكن ملاذا هذه اإلحداثيات الصارمة؟ الجواب تجده يف الشطر األخري من اآلية نفسها {وال تَبْغِ‬ ‫َ‬ ‫الْفَساد فيِ األَرض إِن اللَّه ال يُحب الْمفْسدين}؛ فانعدام الحس واملبادرة الفردية تجاه املجتمع يعني مع الوقت‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ َّ َ ِ ُّ ُ ِ ِ َ‬ ‫تراكم الفساد فيه، العملية ليست فقط عبارة عن رضائب وزكاة مفروضة، فهذه كلها مجتمعة هي الحد األدىن‬ ‫والرضوري ولكنها ليست كل يشء. الخطاب القرآين يسعى إىل جعل اإلحسان منهج حياة، ويشري إىل أن غياب‬ ‫هذه القيمة له صلة ما بالفساد واإلفساد. غياب اإلحسان يؤسس لبداية فرديّة أنانية، وعزلة عن هموم املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫واحتياجاته، وهذا يسهم يف تراكم مشاكله االجتامعية واالقتصادية مبا يعني تراكم الفساد، وال شك أن أغلب‬ ‫املفسدين مروا بحالة االنفصال هذه يف البدايات.‬ ‫ّ‬ ‫نشري هنا إىل أننا نعيش عاملاً تجتاحه فردانيّة أنانيّة كوباء، فردانيّة عىل املستوى الشخيص قبل تكوين أرسة،‬ ‫َ‬ ‫ثم تأخذ شكالً مختلفاً مع وجود الزوجة واألطفال، فتتسترّ بالعطاء األرسي، الذي يتمظهر من خالل تفاين الفرد يف‬ ‫تسخري هذا العطاء داخلياً عىل نطاق األرسة. يرافق هذا األمر شعور تربيري أن هذا أحد أنواع العطاء االجتامعي،‬ ‫بل يتم تعميم فكرة أن هذا هو أعىل درجات العطاء، وما هي إال فردانية أرسيّة تؤسس لبدايات عزلة عن مشاكل‬ ‫املجتمع، وهي فرع من فردانيّة الذات، فاألرسة هي االمتداد الطبيعي للذات الفرديّة.‬ ‫ويف املجتمعات اإلسالمية يتم مترير ‘جائحة الفردانيّة’ تحت غطاء كثري من اآليات أو التفاسري املجتزأة ـ كام‬ ‫يحدث عند استخدام آية {وأما بنعمة ربّك فحدث}ـ مبا يخدم فكرة العطاء األرسي بالدرجة األوىل، حتى إذا ما‬ ‫ّ‬ ‫أخذت األمور أكرث من حد اإلشباع بكثري، يتم عندها االلتفات نحو مصارف أخرى للعطاء خارج محور الذات‬ ‫الشخصية واألرسيّة، هذا إن بقي هناك قدرة عىل العطاء بعد كل هذا!‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع السوري مل يكن يوما