نحو تأسيس وعي اجتماعي خمتلف
ينظّمها، وأن يضعها يف خدمة بناء املجتمع، شأنها بذلك شأن جميع الغرائز البرشية. ويف الحديث أن رسول الله
صىل الله عليه وآله وسلم قال: “كلوا وارشبوا وتصدقوا يف غري رسف وال مخيلة إن الله تعاىل يحب أن يرى أثر
ً
نعمته عىل عبده”(((، والحديث النبوي يحذّر اإلنسان بداية من الرسف ويحضّ ه قبل ذلك عىل الصدقة، قبل أن
يرده إىل غريزته بعد أن أعاد له تنظيم حياته بالشكل الذي يخدم الهدف منها. وبحسب اآلية السابقة من سورة
ّ
ِ
القصص، فإن نصيب الدنيا يتموضع بالضبط ما بني التفكري بالدار اآلخرة من جهة {وابْتَغِ فيماَ آتَاك اللَّه الدار
َ ُ َّ َ
َ
َ ْ ِ
ْ َ َ ُ َ
اآلخرةَ} ومنهج اإلحسان من جهة ثانية {وأَحسن كَماَ أَحسن اللَّه إِلَيْك}. ضمن هذه اإلحداثيّات املضبوطة يأيت
َِ
نصيبك من الدنيا. لكن ملاذا هذه اإلحداثيات الصارمة؟ الجواب تجده يف الشطر األخري من اآلية نفسها {وال تَبْغِ
َ
الْفَساد فيِ األَرض إِن اللَّه ال يُحب الْمفْسدين}؛ فانعدام الحس واملبادرة الفردية تجاه املجتمع يعني مع الوقت
َ َ
ْ ِ َّ َ ِ ُّ ُ ِ ِ َ
تراكم الفساد فيه، العملية ليست فقط عبارة عن رضائب وزكاة مفروضة، فهذه كلها مجتمعة هي الحد األدىن
والرضوري ولكنها ليست كل يشء. الخطاب القرآين يسعى إىل جعل اإلحسان منهج حياة، ويشري إىل أن غياب
هذه القيمة له صلة ما بالفساد واإلفساد. غياب اإلحسان يؤسس لبداية فرديّة أنانية، وعزلة عن هموم املجتمع
ّ
واحتياجاته، وهذا يسهم يف تراكم مشاكله االجتامعية واالقتصادية مبا يعني تراكم الفساد، وال شك أن أغلب
املفسدين مروا بحالة االنفصال هذه يف البدايات.
ّ
نشري هنا إىل أننا نعيش عاملاً تجتاحه فردانيّة أنانيّة كوباء، فردانيّة عىل املستوى الشخيص قبل تكوين أرسة،
َ
ثم تأخذ شكالً مختلفاً مع وجود الزوجة واألطفال، فتتسترّ بالعطاء األرسي، الذي يتمظهر من خالل تفاين الفرد يف
تسخري هذا العطاء داخلياً عىل نطاق األرسة. يرافق هذا األمر شعور تربيري أن هذا أحد أنواع العطاء االجتامعي،
بل يتم تعميم فكرة أن هذا هو أعىل درجات العطاء، وما هي إال فردانية أرسيّة تؤسس لبدايات عزلة عن مشاكل
املجتمع، وهي فرع من فردانيّة الذات، فاألرسة هي االمتداد الطبيعي للذات الفرديّة.
ويف املجتمعات اإلسالمية يتم مترير ‘جائحة الفردانيّة’ تحت غطاء كثري من اآليات أو التفاسري املجتزأة ـ كام
يحدث عند استخدام آية {وأما بنعمة ربّك فحدث}ـ مبا يخدم فكرة العطاء األرسي بالدرجة األوىل، حتى إذا ما
ّ
أخذت األمور أكرث من حد اإلشباع بكثري، يتم عندها االلتفات نحو مصارف أخرى للعطاء خارج محور الذات
الشخصية واألرسيّة، هذا إن بقي هناك قدرة عىل العطاء بعد كل هذا!
ّ
املجتمع السوري مل يكن يوما