مقاالت
األصولية اإلسالمية يف املشرق العربي
سورية. ورسعان ما بدأت حركات ‘الصحوة اإلسالمية’ بنسختها الجهادية بالتوالد والتكاثر تحت عنوان املقاومة
التي لقيت مدا ً لوجستياً وبرشياً من بعض دول اإلقليم مستثمرة هذه الحركات يف استنقاع الواليات املتحدة يف
العراق. إذا ً كان هناك من يقتنص الفرصة يف لحظة تهديد، إنه النظام السوري الذي وجد يف هذه الحركات أجهزة
معدة للتحريك مبا يشبه اإلمساك مبقود (روبوت) مفخخ يهدد به تارة ويلوح به تارة أخرى، صانعاً بعض تشكيالته
يف قصدية متدبرة.
وتفيد تجربة الثامنينات والتسعينات من القرن املايض أن هذه الحركات متتلك إمكانية تفلت كبرية بعد
رشاكة موحى بها غري مبندة بعقد أو اتفاقية لتصبح عالقة عداوة وانتقام ما بعد الرشاكة، متاماً كام حدث مع
الواليات املتحدة وبعض حلفائها يف أفغانستان. لكن النظام السوري استطاع تحايش ارتداد الحركات األصولية عليه
بعد عودة أفراده من العراق المتالكة تلك القاعدة التفصيلية من البيانات عن أفراد التنظيامت الجهادية العاملة
بالعراق، وأظهر قدرة عالية عىل الضبط وعدم تفلت زمام األمور من يده. يدخل النظام السيايس يف املرشق العريب
كعنرص أصيل يف معادلة األصولية هذه املرة، تتبدل وظائفه بتغري رشوط املعادلة منتجة مشهدا ً مختلفاً يف كل
ظرف، فتدعم األصولية تحت عنوان املقاومة وتحارب تحت عنوان اإلرهاب، والعنرص املتحرك يف قلب املعادلة
كان دوماً النظام السوري عىل مستوى هذه املنطقة.
لقد تبدى الدور السوري يف استثامر الحركات األصولية مرة أخرى يف لبنان بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق
الحريري عندما الحت بوادر تهديد داهم للنظام إثر اتهامه مبارشة بعملية االغتيال، وللداللة عىل ذلك ميكن
استعراض جملة القرائن التي وردت يف أحد الربامج الوثائقية التي يعدها الصحفي العريب يرسي فودة والتي
تلت عملية االغتيال. إذ يذكر أن اتصاالً جرى بصحيفة صدى البلد اللبنانية من قبل مجهول اسمه أبو عبيدة
مبلغاً عن نية تفجري ثكنة عسكرية يف صيدا، وقد حدث ذلك التفجري يف املكان والزمان الذي حددهام، مام أكد
ّ
التكهنات القائلة بامكانية تواجد وفعالية تنظيم القاعدة يف لبنان، وتكررت هذه الحادثة أكرث من مرة يف عهد ما
بعد الوجود السوري، ويف نهاية عام 5002 تم تبني عملية إطالق صواريخ (كاتيوشا) من قبل تنظيم القاعدة من
جنوب لبنان الواقع تحت سيطرة حزب الله الذي تتنافر معه القاعدة عقائدياً وتتهمه بالوقوف عائقاً بينه وبني
ارسائيل. لقد كان هذا التفلت العسكري لتنظيم القاعدة عىل التخوم اإلرسائيلية مثريا ً للريبة بالتوقيت وتخفي
عنارصه عىل غري عادة أعضاء تنظيم القاعدة الذين يجاهرون بأسامئهم وهوياتهم وأهدافهم عادةً. وما غض النظر
الذي مارسه حزب الله عن تلك العملية بالتحديد -التي ال ميكن أن تحدث دون علمه- سوى إشارة ملالمح البديل
املمكن يف حال غياب حزب الله حيث كانت األصوات تتعاىل لسحب سالحة يف تلك األيام.
ويف ظل غياب الوجود العسكري واألمني السوري فإن القاعدة هي من ستكون عىل الحدود اإلرسائيلية دون
ضابط أو رقيب. كان النظام السوري ميتلك خريطة شبكة التنظيامت اإلسالمية املرتبطة بالقاعدة أو غري املرتبطة
بها ولديه قاعدة بيانات شبه شاملة لعنارصها العائدة من العراق عىل وجه الخصوص، نتيجة انخراطه بصورة
مبارشة يف العراق، وميتلك القدرة اإليحائية لتحريك بعضها يف أي اتجاه يريده، مستخدماً إياها ورقة ابتزاز أمام
الغرب وإرسائيل، ويفيد استعراض لألسامء الكثرية التي نسبت إىل القاعدة أنها إما كانت يف السجون السورية أو
نالت مباركة األجهزة األمنية أيام القتال يف العراق.
لرمبا استطاع النظام السوري أن يلعب ورقة األصولية اإلسالمية واالستثامر بها يف أعىل إنتاجية لفرض رؤيته
وتجنب املواجهة مع الواليات املتحدة بعد حرب العراق، إىل جانب كونه نظام منوذجي يف التسلطية تتغذى
األصولية عىل سياس