األصولية اإلسالمية يف املشرق العربي
تطورت الحركة األصولية اإلسالمية وتنقلت عرب مراحل عدة وصوالً إىل شكلها الحريك الراديكايل الناجز كام
نعارصه اليوم والذي يتعني ‘مبنظومة شبكة العالقات’ الواسعة للحركات اإلسالمية الجهادية ‘ذاتية الحركة’ التي
يتموضع يف مركزها تقريباً تنظيم ‘القاعدة’. وباتت معروفة للكثريين تلك السريورة التي مرت بها األصولية
اإلسالمية والظروف الدولية واإلقليمية التي سوغت قيامها، هذا فضالً عن املعارف الدينية التي قدمت النص
واملنطق العقيدي لها. كام ميكن تلخيص العنارص املبيئة لها من فقر وأمية يف مجتمعات احتضنتها كأفغانستان
ِّ
والصومال وغريها مبقابل فشلها يف إيجاد الحواضن الالزمة يف أكرث من بقعة جغرافية مفرتضة.
كان يكفي غياب أي سلطة مركزية قوية، وتعيني عدو محتل بدايةً، حتى تستدعي أيديولوجية مبنية عىل يقني
إمياين كاإلسالم، تحشد بخطابه وتنظم برشيعته حتى تقرتب من النموذج األعىل يف الوعي املجتمعي كام وصل إلينا
عرب أمهات الكتب التاريخية، وتسحبه عىل الواقع كمرسحية تنكرية نشاهد فصولها عىل مرسح الواقع، ثم تتنقل
وتتمدد عىل بقاع جغرافية ذات مجتمعات موسومة باإلسالمية تقوم بالتعويض عن فشل املشاريع النهضوية من
ماركسية ويسارية وليربالية وقومية يف حمل مهام التنمية والتحرير.
تأخذ القضية مضاعفات أكرث جدية بالنظر إىل ظاهرة األصولية اإلسالمية يف منطقة املرشق العريب بالتحديد
الذي يزخر بقصص ‘املايض املجيد’، والذي تعيش مجتمعاته عىل وقع إرث تاريخي ثقيل يحكم قيمها ويشكل
وعيها لذاتها ولآلخر. فقد انترشت الحركات األصولية اإلسالمية بعد احتالل العراق وسقوط بغداد التي كان لها
صدى بالغ التأثري يف النفسية العربية يف املرشق، محدثة تحوالً جذرياً يف املفاهيم النضالية الكالسيكية مبختلف
توجهاتها القومية واليسارية. إذ تحول البعثي العلامين إىل داعية إسالمي، والفتحاوي إىل مريب ديني، وانبثقت من
قلب الحركات السياسية دعوات إسالمية كفتح اإلسالم (التي خرجت من رحم تنظيم فتح االنتفاضة برئاسة أبو
خالد العملة) يف كناية عن رفض وقطيعة كاملة مع اإلرث االديولوجي والنضايل املرتبط بالنظام الرسمي املقاوم
وصوالً إىل معاداته.
وعىل وقْعِ وجود الواليات املتحدة األمريكية يف العراق كان أحد محفزات استنهاض الخطاب اإلسالموي
التعبوي يتحرض لالنفجار يف قلب املرشق، فها هو اآلخر املحتل قد أصبح عىل األرض بيننا ويتهدد التوأم الجار؛
31
العدد 0
أيار / مايو ـ 4102