124
الجزء الثالث: النّظرية
وقد تتَضمّن ردود الأفعال على الضّ غوط النّفسية الحادة كلّ ردود الأفعال أعلاه على الأزمة ، ومنها " الصّ دمة النّفسية "( ردود أفعال قوية تَنتُج فوراً بعد وقوع الحدث الصّ ادم (، و " مُكافحة التّعب "( ردود أفعال تظهر بعد المُشارَكة في نزاعٍ مُسلَّح أو مُشاهَدته (.
وتميلُ الأعراضُ الشّ ديدة لردود الأفعال على الضغوط النّفسية الحادة إلى التّلاشي( الانِحسار) بعد انقضاء بِضعة أسابيع. كما يتعافى العديد من الأفراد دون إصابتهم بتلفٍ( ذهني / نفسي) دائم أو طويل الأمد.
القلق:
قد تُعاني النّاجية من القَلق ، إلى جانب المعاناة من أعراضٍ أخرى للصّ دمة. فعادةً ما تُولِّد الأحداث الصّ ادمة القَلق ، والذّعر ، وأحاسيس الخُ وف. وعندما يكون القَلق واضحاً أكثر بكثير من الأعراض الأخرى ، فإنَّه يُمكن القول ، على أيّ حال ، بأنَّ النّاجية تُعاني من اضطراب القَلق. ويمتازُ هذا الاضطراب بسَ مَتَينِ هما: أنّ ردّ الفِعل على التّهديد يكون عنيفاً جداً وغير مُتناسِ ب. وعندما ينتاب الناجية القلق دون سببٍ في الظّ اهر ، وحتّى دون أنْ تكون في خَ طر ، فإنَّ قلقها قد يُسبِّب الإزعاج لها وللآخرين.
وفي هذه الظُّ روف ، فإنَّ من المُهمّ معرِفة السَّ بب الكامن وراء إصابة الشَّ خص بقلقٍ شديد. وإذا كان قلقها ناجمٌ عن التّعرض لصدمةٍ ما ، فإنَّ ذلك قد يتطلب اللجوء إلى مُقاربةٍ مُختلِفة لمُساعدتها.
الاكتئاب:
يَحْ دثُ الاكتِئاب ، في أغلب الأحيان ، إلى جانِب أعراضِ أخرى بعد وقوع الاغتصاب( وبعد أحداثٍ صادِمة أخرى (، ولا سِ يّما في الأشهر الأولى من الحادِثة. ويحدث الاكتئاب في أحيانٍ كثيرة بسبب قيام الأُسرَةِ والشّ بكات الاجتماعية بتوجيه الّلومِ إلى النّاجية أو رَفضها. وقد يكون من الواضح بجلاء أنّه يستلزِمُ مُعالَجةً خاصَّ ةً ومُنفَصِ لة. وإذا كان الاكتئاب عميقاً وشديداً ، فإنَّه قد يشتمِلُ على أفكار تدعو إلى الانتحار.
الانفصال:
يتكرَّرُ حدوث الانفِصال( عدم الارتباط مع الغير) بعد وقوع الصّ دمة ، كما يحدثُ عندما " ينسحبُ " العقل من الجسد. وهي استراتيجية بقاء ودفاع غريزيّة يتبنَّاها الإنسان والحيوان عندما يواجهون تهديداً جسيماً. ويَشرح الانفصال سبب عدم قُدرة النّاجيات على تذكّر ما حدث لهنّ( فقدان ذاكرة جُ زئي (. وفي حالات الضّ غط النّفسي الحاد ، فإنَّ بعض الوظائف العقلية قد لا تَعمل كما ينبغي ، ومنها المشاعر والعواطف. وقد يُفسِّ ر هذا حالة الخدران العاطِ في التي تمرُّ بها بعض النّاجيات بعد التّعرّض للأحداث الصّ ادمة. وقد يكتشف المُساعِدون أنَّ النّاجية مُنعزِلة ، ولا تعيش فِعلياً في الزّمن الحاضر ، وغير مُركِّزة وصامِتة. وقد تَفتقر إلى مشاعِر العَطَ ش ، أو الجوع ، أو الألم ؛ حتّى وإنْ كانت مُصابَة ؛ وقد تفقد السّ يطرة على حركاتها( القدرة على التّحكم في العَضلات الحَ ركية (، على الأقل لفترةٍ زمنيةٍ مُؤقّتة. وقد يُفهَم عَيش الكارِثة من جديد( كحالة استرجاع الذّكريات مثلاً) أيضاً على أنّه حالة ذهنية انفِصالية ؛ لأنَّ استرجاع الذّكريات يُمثِّل تعطيلاً جُ زئياً
أو كلياً للاندماج الطبيعي لعواطف الشّ خصِ وذكرياته.
حالة اضطراب الكَ رب التّالي للصّ دمة( PTSD (:
تنشأ هذه الحالة ، كما تُعرِّفها مُنظّ مة الصّ حة العالمية " كاستجابةٍ مُتأخِّ رة أو مُطَ وَّلة لحدثٍ أو موقفٍ مُجهِد مُرهِق( إمَّا لمدةٍ زمنيةٍ قَصيرة أو طويلة الأمد (، وذات طبيعةٍ تهديدية أو كارثية بصورةٍ استثنائية ، ومن المُرجَّ ح أنْ تُسبِّب ضِ يقاً مُتغلغِلاً في كلّ النّاس تقريباً "( التَّصنيف الدولي للأمراض " ICD-10 "(.
وتبدأ حالة اضطراب الكَرب التّالي للصّ دمة " كردِّ فعلٍ على الضغوط النّفسية الحادة "، والذي يَتبَعه مُتلازمة كاملة لحالة اضطراب الكَرْب التّالي للصّ دمة. غير أنَّ النّاجيات قد يُظهرن أحياناً بعض الأعراض أو لا يظهرنَ أيّ أعراضٍ لأسابيع أو أشهر عديدة. كما قد يُظهرن ضغطاً
نفسياً حاداً ، ثمَّ تَستَقرِّ حالتهنّ دون بروز ضيقٍ تقريباً ، ثمّ يتحوّل ذلك الضغط إلى حالة اضطراب الكَرب التّالي للصّ دمة.
وإذا كان لدى الشّ خص تجربة مُسبَقة بالمرض العاطفي أو بانعدام الأمان ، فإنَّ ردود أفعاله على الأحداث الصّ ادمة الجديدة قد تَتفاقَم. إلاَّ أنّ العوامل الموجودة مُسبقاً لا تُنبِؤ بالإصابة بحالة اضطراب الكَرب التّالي للصّ دمة.
سوف يتعافى ، في مُعظم الحالات ، أولئك الذين يعانون من حالة اضطراب الكَرْب التّالي للصّ دمة ، لكنّها قد تُصبِح مُشكلةٍ مُزمنةً. وقد تُسبِّب في أسوأ الظّ روف تغيّرات دائمةً في الشّ خصية.