aldoha magazine N 75 | Page 56

‫خطــر ببالــي غير مــرة أن أقــوم بترجمة كتــاب فائق األهمية للفيلســوف‬ ‫الروسي أليكسي لوسيف «فلسفة الرياضيات» أو «جدل األرقام الالمتناهية‬ ‫الصغر». وفي كل مرة كان يخطر ببالي ذلك كنت أتراجع عن نيتي لصعوبة‬ ‫مــا فيه من مفاهيم فــي الرياضيات ولضعف إعدادي فــي هذا المجال، كما‬ ‫أتراجــع عن ترجمة كتابه اآلخر «فلســفة الموســيقى» ألســباب مشــابهة.‬ ‫واليوم حين راح ذهني يحكني في هذا المنحى في أحد فنادق بيروت، في‬ ‫ّ‬ ‫أثناء حضوري أعمال دورة تدريبية للمحامين في «جندرة الدستور» توّد‬ ‫ََل‬ ‫لدي ســؤال عن العالقة بين الرياضيات والموســيقى والجندرة والمسألة‬ ‫النسوية عموم ً.‬ ‫ا‬ ‫منذر بدر حلوم‬ ‫نساء ورجال‬ ‫ورياضيات وموسيقى‬ ‫يقــوم النضــال النســوي واالشــتغال‬ ‫علــى جنــدرة التشــريعات، ربمــا‬ ‫بصــورة غيــر موعــاة، علــى افتراضــات‬ ‫إشــكالية، منهــا أن المــرأة بالضــرورة‬ ‫نصيــر أفضــل لقضايــا المــرأة مــن‬ ‫الرجــل، وأن الرجــل بالضــرورة يضطهــد‬ ‫المــرأة، وينتقــص مــن حقوقهــا مقارنــة‬ ‫بالمــرأة، والتفضيــل هنــا مبنــي علــى‬ ‫ّ‬ ‫الجنــس، وأن المســاوة كافيــة، بصــرف‬ ‫النظــر عــن ســوية الحريــات والحقــوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التــي يتمتــع بهــا المواطــن محايــد‬ ‫َّ‬ ‫الجنــس. هنــاك فــي اللغــة الروســية‬ ‫َّــث ومحايــد. تخيلــوا لــو أن‬ ‫مذكــر ومؤن‬ ‫َّ‬ ‫هنــاك فــي اللغــة العربيــة كلمــة واحــدة‬ ‫(محايــدة) أو (خنثــى) تدمــج (مواطــن)‬ ‫و(مواطنــة)، ربمــا كان ســيحل األمــر فــي‬ ‫ّ‬ ‫الشــكل. لكــن المســألة التــي يشــغل فيهــا‬ ‫الشــكل كثيــرًا مــن الوقــت واالهتمــام،‬ ‫65‬ ‫تتع ـدى أن تكــون مســألة شــكلية. علم ـا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بــأن المســألة، حتــى فــي المضمــون،‬ ‫كثيــرًا مــا تتحــول إلــى نضــال مــن أجــل‬ ‫َّ‬ ‫انتــزاع حقــوق ليــس مــن النظــام وليــس‬ ‫مــن البنيــة، بمعنــى تحويــل البنيــة‬ ‫السياســية االجتماعيــة االقتصاديــة نحــو‬ ‫توســيع الحقــوق، إنمــا مــن الذكــور.‬ ‫وكأن المســألة مســألة صــراع إنــاث مــع‬ ‫الذكــور فــي معــادل اجتماعــي للوجــود‬ ‫البيولوجــي، وليــس مــع بنــى مطلــوب‬ ‫ُ‬ ‫تجاوزهــا أو مــع أنظمــة ظالمــة، الظلــم‬ ‫فيهــا سياســي.‬ ‫معلــوم أن (العبيــد) كانــوا متســاوين‬ ‫ّ‬ ‫جميعــا فــي العبوديــة ومنزوعــي‬ ‫ً‬ ‫الحقــوق فــي الوقــت نفســه، وفــي العهــد‬ ‫الســوفياتي درج ســؤال ســاخر يقــول إن‬ ‫مواطنـا راح يســأل موظفـا حكوميـ ً: هــل‬ ‫ا‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫أملــك الحــق؟ فيجيبــه الموظــف: نعــم‬ ‫تملــك الحــق. وهــل أســتطيع؟ الجــواب:‬ ‫ال، لســت تســتطيع! فهــل يكفــي حق ـا أن‬ ‫ً‬ ‫يقــر قانــون مــا بالمســاواة، حتــى مــع‬ ‫ّ‬ ‫وجــود درجــة مقبولــة مــن الحقــوق، كــي‬ ‫تتحقــق المســاواة؟ الجــواب: ال. خاصــة‬ ‫َّ‬ ‫وأن القانــون نفســه يمكــن أن يطبــق‬ ‫َّ‬ ‫كيفيـا وفــي انتقائيــة تســمح بهــا طبيعــة‬ ‫ً‬ ‫بعــض األنظمــة.‬ ‫هكــذا، تتحــول (النســوية) إلــى‬ ‫َّ‬ ‫مســألة فــي الشــكل أكثــر ممــا هــي فــي‬ ‫المضمــون، و(الجنــدرة) إلــى مســألة فــي‬ ‫اللغــة. الحساســية مــن ذكــورة اللغــة،‬ ‫بصــرف النظــر عــن بعــد المفــردات‬ ‫ُ‬ ‫المفهومــي، تذكــر بذكــورة الجــدار‬ ‫ِّ‬ ‫والكرســي فــي أذهــان بعــض المتشــددين‬ ‫ِّ‬ ‫الحرفييــن فــي الديــن، فــا يجــوز،‬ ‫والحــال كذلــك، المــرأة أن تجلــس إلــى‬ ‫جــدار أو علــى كرســي.‬