aldoha magazine N 75 | Page 49
بين الضفتين
إيزابيلال كاميرا
«يقولون إن»
فـي جميـع لغـات العالـم هناك تعبير يشـير إلى كيفيـة انتقال
المعلومـات مـن شـخص إلـى آخـر. عبـارة: «يقولـون إن». ولكـن
من الذي يقول؟ ولماذا يقول ذلك؟ ولماذا إذا قال شـخص شـيئ ً،
ا
نـردده مـع اآلخريـن مـرات عديـدة حتى نصدقه نحـن أيض ً؟
ا
ِّ
ِّ
ّ
وهنـاك العديـد مـن األمثلـة التي يمكـن أن تقال، كمـا أن هناك
ُ
ً
أعمـاال أدبيـة عديـدة تتحـدث عـن قـوة اإلشـاعات والقيـل والقـال
والنميمـة، والتـي باإلضافـة إلـى أنهـا تتالعـب بالحقيقـة، تؤدي
ّ
إلـى االنحـراف بالمسـار الطبيعـي للحياة.
كان جيلنـا، الـذي تغـّى علـى أكاذيـب القنـوات التليفزيونيـة
ذ
مـن جميـع أنحـاء العالـم، هـو أكثـر مـن اعتاد علـى القيـل والقال
الـذي يتحـول إلـى تاريـخ، أو التاريـخ الـذي يتكـون مـن القيـل
َّ
والقـال. ونحـن فـي نهايـة المطـاف نصـدق مـا يقـال لنـا متكـررًا
ِّ
ِّ
لمـرات عديـدة، حتـى ال نسـتطيع أن نميز بين الحقيقـة والخيال.
ِّ
ألنه كما تنشـد إحدى شـخصيات أوبرا روسـيني الشهيرة «حالق
َّل رقيقة،
إشـبيلية»: «اإلشـاعة كالنسـيم، هبـة ريـح عليلة تتسـل
َّ
خفيفـة، وتبـدأ بالهمس».
من األمثلة التي يمكن أن تبرهن على النتائج المميتة للشائعات
القصـة الحزينـة إلحـدى أبرع المغنيـات اإليطاليات في السـنوات
األخيرة وهي ميا مارتيني، وهي امرأة شجاعة جريئة تبدو في
الظاهر في منتهى القوة، ولكنها وحيدة بدرجة خطيرة، أو لنقل
باألحرى- «معزولة». وقبل بضع سـنوات انطلقت شـائعة أنها«نحـس» علـى أي مـكان تذهب إليه، فأحجـم منظمو الحفالت عن
ِّ
طلبهـا اتقـاء لفشـل حفالتهـم. كان الجميع يهمسـون عندمـا كانوا
ِّ ً
يرونهـا، وربمـا أصـدر البعض منهم أيضا إيماءات اسـتهزاء بها،
ً
حتـى جـاء يـوم قالـت فيـه ميـا مارتينـي: كفـى!، وانتحـرت. لـم
تسـتطع أن تقاوم هذه اإلشـاعات. وجميع من هزئوا منها حتى،
ولـو بصـوت خفيـض، فهمـوا متأخـرًا أكثـر مـن اللازم عبثية هذا
السـلوك. اليـوم أصبحـت ميـا مارتينـي أيقونـة الغنـاء الجميـل،
وأصبحنـا نسـمع صوتهـا كثيرًا في اإلذاعـة والتليفزيون. لم يعد
أحد يشعر بالخوف وهو يستمع إلى صوتها، أو يراها في األفالم
القديمة، ذلك أنها ببساطة لم يكن لها دخل بسوء الطالع، وإنما
كانت هي نفسها ضحية للشائعات الكاذبة التي دفعتها إلى القبر.
ّ
فإذا كانت هذه الحالة مأساوية فإنني أود الحديث عن حالة
ّ
أخرى إيطالية، مضحكة هزلية، ترتكن هي أيضا على اإلشاعات
ً
والتـي إذا تـم توجيههـا بمهـارة تسـتطيع أن تجعـل مالييـن مـن
َ َّ
ً ً
األشـخاص يصدقـون شـيئا بـدال مـن شـيء آخـر بفعـل التكـرار.
ِّ
ً
إنهـا حكايـة رجـل فقيـر نشـأ مـن العدم، عمـل مقاوال صغيـراً، ثم
أصبـح بين عشـية وضحاها واحـدًا من أكثر المليارديـرات ثراء،
ليس في إيطاليا وحدها ولكن على مستوى العالم، والذي -وفقا
(