aldoha magazine N 75 | 页面 22

‫كنت في حيرة من أمري. وحين‬ ‫لمحني مرتبكا قال لي: قول اللي انت‬ ‫ً‬ ‫مصدقه، وحكى لي عن لوركا ومقالته‬ ‫ّ‬ ‫عن (الداوندي)، فقرأت قصيدة عنوانها‬ ‫«سيف وتفاحة» ففوجئت به يسبني‬ ‫ّ‬ ‫ويلعنني حتى اختتم وصلته من الشتائم‬ ‫ال‬ ‫قائ ً: «وحياة أمك التيجي حوش قدم» ،‬ ‫فداعبته قائ ً: بعينك. ثم صار هذا هو‬ ‫ال‬ ‫حديثنا في كل مرة نلتقي مصادفة في‬ ‫إطار أمسية أو احتفالية أو أية فاعلية‬ ‫سياسية.. وال أخفى سرًا أني في هذه‬ ‫المرحلة كانت أفكاري تبدلت ورؤيتي‬ ‫َّ‬ ‫للعالم والشعر على وجه الخصوص‬ ‫اختلفت تمام ً، وكنت أرى أن نجيب سرور‬ ‫ا‬ ‫ونجم قد ضحيا بكل الممكن من الجماليات‬ ‫َّ‬ ‫حين انحازا بكل قوة إلى القضايا‬ ‫االجتماعية وما يشغل الناس من هموم،‬ ‫وأن الشعر أبقى من مشكالت عارضة‬ ‫قد تتغير، فآليت على نفسي أال أسقط‬ ‫ّ‬ ‫في فخ نجم دون أن أدري أن اختياري‬ ‫ّ‬ ‫للعامية في حد ذاته يتضمن توجها مماثال‬ ‫ُّ ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بالضرورة، وبخاصة إذا كان المروج‬ ‫ِّ‬ ‫األساسي لها في هذه الفترة هو اليسار‬ ‫المصري الذي خنق بأيديولوجيته العديد‬ ‫من الشعراء.‬ ‫قلب كبير وكريم‬ ‫مرت سنوات على هذه الحال حتى‬ ‫دعاني علي الحجار ذات مساء لحضور‬ ‫تسجيل أغاني فيلم «الفأس في الرأس»‬ ‫لوحيد مخيمر في األستوديو. استمعت إلى ‬ ‫قصيدة من الشعر المصّى: «أمشير على‬ ‫ف‬ ‫نجعنا والريح بتصفر صفر/ كل الدروب‬ ‫صفصفت ما في حدا في الكفر/ غيرك‬ ‫ياعود الزان/ ياطرحة األحزان/ قلبي‬ ‫عليك انشعف/ وأنا قلبي ده خزان/ فيه‬ ‫ّ‬ ‫الرفاقة العزاز بستان وضليلة/ ونصل‬ ‫خنجر خيانة غوط في ذات ليلة/ وفيه‬ ‫صبايا حاللك يا واحد العيلة/ خايفين‬ ‫22‬ ‫ال..‬ ‫كان الغناء وجبة‬ ‫أساسية حتى في‬ ‫غياب رفيق روحه‬ ‫وأيامه (الشيخ إمام‬ ‫عيسى) وكان‬ ‫ً‬ ‫علينا دائما أن‬ ‫َّ‬ ‫نتوقع مباغتة من‬ ‫األمن في أي وقت‬ ‫عليك تنكسر ونجدد األحزان».‬ ‫سمعتها لمرة واحدة فحفظتها حتى‬ ‫اآلن، وحين انتهى علي من وضع صوته‬ ‫سألته: من كتب هذه القصيدة؟ فقال لي:‬ ‫خمن. طرحت ثالثة أسماء ليس من بينهم‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫نجم، فأجاب الحجار: هذه الكلمات لعمنا‬ ‫ّ‬ ‫أحمد فؤاد نجم، فأجبته على الفور: يبقى‬ ‫حاروح لو حوش قدم الليلة .. وقد كان.‬ ‫وحين رآني أحمد فؤاد نجم أمامه للمرة‬ ‫األول داعبني: مش قلتلك حتيجي يابن‬ ‫فقلت له: أنا شاتمك سنة من باب‬ ‫االحتياط .‬ ‫من يومها، صرت عضوًا دائما في‬ ‫ً‬ ‫جوقة نجم ، كيف ال وقد صار بيته‬ ‫كعبة لكل َّف أو فنان أو سينمائي‬ ‫مثق‬ ‫أو مسرحي عربي؟ كما كان وسيظل‬ ‫صوته ضميرًا ناصعا للشعوب العربية‬ ‫ً‬ ‫في مواجهة أنظمتها الفاشية، وصار‬ ‫نموذجا يحتذى لكل مناضل في أي بقعة‬ ‫ً‬ ‫من عالمنا العربي. وظني أنه تجاوز ذلك‬ ‫ببساطة.‬ ‫كان الغناء وجبة أساسية حتى في‬ ‫غياب رفيق روحه وأيامه (الشيخ إمام‬ ‫عيسى) وكان علينا دائما أن َّع مباغتة‬ ‫ً نتوق‬ ‫من األمن في أي وقت حتى عندما نذهب‬ ‫إلى بيوتنا.. كانت صحبة رائعة ومنتقاة‬ ‫بعناية، فحولنا نجيب شهاب الدين،‬ ‫وعصمت النمر، وسعيد عبيد، وإبراهيم‬ ‫داود، والجبيلي، وكريم الطلياني،‬ ‫وأسامة خليل، وسعيد صالح، وعادل‬ ‫إمام، وهاني عنان، وجورج إسحاق،‬ ‫وعلي بدرخان، ومراد منير، وحسين‬ ‫عبد الجواد، وكثيرون ال تتسع المساحة‬ ‫َّ‬ ‫لذكرهم، حتى عندما هرب إلى (منطاي)‬ ‫كنا نذهب إليه مثل زوار الفجر لنستمع‬ ‫ّ‬ ‫إلى ما كتبه في مشروعه النثري الكبير (‬ ‫فضفضة فيما مضى) والذي نشر فيما بعد‬ ‫بمجلة روز اليوسف بعنوان «الفاجومي».‬ ‫وما ال يعرفه الناس عن نجم أنه كان‬ ‫ِّيا متمكنا يمتلك صوتا خشنا وعريضا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مغن ً ِّ ً‬ ‫مكتمل األبعاد، ناهيك عن إحساسه‬ ‫المذهل بالجملة الموسيقية وكنت أحب‬ ‫ّ‬ ‫سماع «حلم» بصوته وهو يتغزل بين‬ ‫المقاطع ببيرم التونسي والشيخ زكريا.‬ ‫ويجدر بنا أن نهمس في أذن كل‬ ‫طاغية: إن لم تقرأ أدبا فلن تنجو، واحذر‬ ‫ً‬ ‫غضبة الشعراء، فنجم وأتباعه باقون في‬ ‫كل ميدان أو زقاق.‬