في بيت يحيى الكســباني، بمنطقة اإلمام الشــافعي، وفي ســرداب تحت
البيت، كان يوجد مســجل قديم وأشرطة َّفة بعناية كأنها مخدر فاخر.
مغل
ِّ
ّ
ســألت يحيى الكسباني: لماذا نتعاطى الغناء سرًا ؟ فأجاب: ليست كبقية
ّ
األغانــي، وتابعــت: لكنه غنــاء على أي حال، فغضب منــي ونهرني: هذا
ّ
إبراهيم عبدالفتاح
غناء عن الحال، وليس على أي حال .
ّ
نجم بيننا
توالت السهرات وبدأنا نكتشف
مواهبنا في الكتابة والتلحين والنقد،
وبدأ عالم أحمد فؤاد نجم يشكل مخيلتنا
ِّ
ِّ
ونحن نتأمل جنونه ومجونه وخروجه
َّ
عن المألوف ، هذا الخروج الذي بدل
َ َّ
قناعاتي التي ربتها الرومانسية شعرًا
َّْ
وغناء، ودّني على دروب جديدة أتاحت
ل
لي البحث عن المشابه، فتورطت في
َّ
بيرم التونسي، وبديع خيري، والنديم،
وسيد درويش، وتمردت على نصوصي
َّ
التي تتغزل ببنت الجيران، أو تتهكم من
ّ
َّ
صديقي المتكبر. صار العالم أكثر رحابة
ِّ
واتساع ً، ولم تعد تشغلني رصانة أو
ِّ ا
فصاحة لغة أو جماليات بعينها بقدر
ماصار يشغلني األفق الذي تتحرك فيه
َّ
الكتابة، والموضوع الذي تنشده.. سقط
ِّق في سماوات بعيدة، بكل
الخيال المحل
مستلزماته من بالغة كاذبة، وحضر
الواقع جليا بكل مالمحه الحقيقية
ًّ
ِّل بالنسبة لي
والصادمة في آن ليمث
تحديا جديداً.
ِّ ً
أي قدر ألقاك في طريقي أيها النجم؟
ُّ
وكيف لجسدك النحيل احتمال كل هذا
األلم؟ وهل يتسع قلبك حقا ألحالم وآمال
ًّ
وأوجاع شعب..؟ كيف تطلب الحرية
لغيرك وأنت خلف الجدران؟
قلت ليحيى: يوما سألتقي هذا الرجل.
ً
مرت بعض سنوات وأنا أتابع كل ما
َ َّ
ً
يكتبه نجم أوال بأول، ثم بدأت الخروج
إلى الندوات والمهرجانات األدبية في
كافة أقاليم مصر، وكان صوته وصوت
رفيق أيامه الشيخ إمام هما البطل الدائم
لكل األمسيات في كل مكان ذهبت إليه.
حتى التقيته ذات بهجة في منزل أحد
األصدقاء. نعم وجدته أمامي بشحمه
ولحمه وابتسامته الدائمة وعذوبته التي
يحاول أن يخفيها بفاجوميته ، نعم، هذا
الرجل سليط اللسان ألنه في غاية الرقة.
ّ
وما ألفاظه تلك سوى خط دفاع كي التنفذ
ببساطة إلى قلبه الهش وروحه الراقية ..
ّ
قرأ شعراً، وغّى، وتحدث في السياسة
ن
َّ
والتشكيل والمسرح والموسيقى والرواية
، كان مبهرًا في كل مجال على حدة، كأنه
احترفه وأضاف إليه، ثم فاجأني بطلبه
لي أن أقرأ شعرًا .
12