aldoha magazine N 75 | Page 21

‫في بيت يحيى الكســباني، بمنطقة اإلمام الشــافعي، وفي ســرداب تحت‬ ‫البيت، كان يوجد مســجل قديم وأشرطة َّفة بعناية كأنها مخدر فاخر.‬ ‫مغل‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ســألت يحيى الكسباني: لماذا نتعاطى الغناء سرًا ؟ فأجاب: ليست كبقية‬ ‫ّ‬ ‫األغانــي، وتابعــت: لكنه غنــاء على أي حال، فغضب منــي ونهرني: هذا‬ ‫ّ‬ ‫إبراهيم عبدالفتاح‬ ‫غناء عن الحال، وليس على أي حال .‬ ‫ّ‬ ‫نجم بيننا‬ ‫توالت السهرات وبدأنا نكتشف‬ ‫مواهبنا في الكتابة والتلحين والنقد،‬ ‫وبدأ عالم أحمد فؤاد نجم يشكل مخيلتنا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ونحن نتأمل جنونه ومجونه وخروجه‬ ‫َّ‬ ‫عن المألوف ، هذا الخروج الذي بدل‬ ‫َ َّ‬ ‫قناعاتي التي ربتها الرومانسية شعرًا‬ ‫َّْ‬ ‫وغناء، ودّني على دروب جديدة أتاحت‬ ‫ل‬ ‫لي البحث عن المشابه، فتورطت في‬ ‫َّ‬ ‫بيرم التونسي، وبديع خيري، والنديم،‬ ‫وسيد درويش، وتمردت على نصوصي‬ ‫َّ‬ ‫التي تتغزل ببنت الجيران، أو تتهكم من‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫صديقي المتكبر. صار العالم أكثر رحابة‬ ‫ِّ‬ ‫واتساع ً، ولم تعد تشغلني رصانة أو‬ ‫ِّ ا‬ ‫فصاحة لغة أو جماليات بعينها بقدر‬ ‫ماصار يشغلني األفق الذي تتحرك فيه‬ ‫َّ‬ ‫الكتابة، والموضوع الذي تنشده.. سقط‬ ‫ِّق في سماوات بعيدة، بكل‬ ‫الخيال المحل‬ ‫مستلزماته من بالغة كاذبة، وحضر‬ ‫الواقع جليا بكل مالمحه الحقيقية‬ ‫ًّ‬ ‫ِّل بالنسبة لي‬ ‫والصادمة في آن ليمث‬ ‫تحديا جديداً.‬ ‫ِّ ً‬ ‫أي قدر ألقاك في طريقي أيها النجم؟‬ ‫ُّ‬ ‫وكيف لجسدك النحيل احتمال كل هذا‬ ‫األلم؟ وهل يتسع قلبك حقا ألحالم وآمال‬ ‫ًّ‬ ‫وأوجاع شعب..؟ كيف تطلب الحرية‬ ‫لغيرك وأنت خلف الجدران؟‬ ‫قلت ليحيى: يوما سألتقي هذا الرجل.‬ ‫ً‬ ‫مرت بعض سنوات وأنا أتابع كل ما‬ ‫َ َّ‬ ‫ً‬ ‫يكتبه نجم أوال بأول، ثم بدأت الخروج‬ ‫إلى الندوات والمهرجانات األدبية في‬ ‫كافة أقاليم مصر، وكان صوته وصوت‬ ‫رفيق أيامه الشيخ إمام هما البطل الدائم‬ ‫لكل األمسيات في كل مكان ذهبت إليه.‬ ‫حتى التقيته ذات بهجة في منزل أحد‬ ‫األصدقاء. نعم وجدته أمامي بشحمه‬ ‫ولحمه وابتسامته الدائمة وعذوبته التي‬ ‫يحاول أن يخفيها بفاجوميته ، نعم، هذا‬ ‫الرجل سليط اللسان ألنه في غاية الرقة.‬ ‫ّ‬ ‫وما ألفاظه تلك سوى خط دفاع كي التنفذ‬ ‫ببساطة إلى قلبه الهش وروحه الراقية ..‬ ‫ّ‬ ‫قرأ شعراً، وغّى، وتحدث في السياسة‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫والتشكيل والمسرح والموسيقى والرواية‬ ‫، كان مبهرًا في كل مجال على حدة، كأنه‬ ‫احترفه وأضاف إليه، ثم فاجأني بطلبه‬ ‫لي أن أقرأ شعرًا .‬ ‫12‬