aldoha magazine N 75 | Page 157

‫صيد اللؤلؤ‬ ‫د. محمد عبد المطلب‬ ‫من فكاهات العقاد‬ ‫كل مـن اقتـرب مـن العقـاد أدرك طبيعتـه الجـادة التـي تصل‬ ‫ّ‬ ‫حـد الجهامـة والخشـونة، لكـن يبـدو أن هذا المظهر الخشـن كان‬ ‫َّ‬ ‫مـداراة لطبيعتـه ولـروح الفكاهـة التـي سـكنته، وقـد ظهـرت‬ ‫بعـض هـذه الفكاهـة فـي كتاباتـه، ومنهـا مقالـه الـذي كان‬ ‫عنوانـه: (مغّـي المجلس) ضمـن كتابه (الفصـول) الصادر عام‬ ‫ن‬ ‫2291، يقـول فيـه:‬ ‫ُِ‬ ‫دعينـا ليلـة إلـى مجلـس سـماع، فوجدنـا المغنـي الـذي‬ ‫سنسـمعه قـد سـبقنا إليـه، وقـد تولـى عـن صاحـب الـدار‬ ‫الترحيـب بالمدعويـن، ومصاحبـة المدعويـن إلـى أماكنهـم مـن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المجلـس، وال عجـب فهـو صاحـب الليلية، فحيانا عنـد قدومنا،‬ ‫ّ‬ ‫وبـش لنـا، وأجلسـنا بالقـرب مـن مكانـه احتفـاء بنـا، ورأينـاه‬ ‫َّ‬ ‫َّـم وهـو يبتسـم، ويسـكت وهـو يبتسـم، ويقعـد ويقـوم‬ ‫يتكل‬ ‫ويأسـف ويعبـس وهـو يبتسـم... وال بـأس باالبتسـام، يزيـل‬ ‫الكلفـة، ويبسـط النفـوس للمعرفـة، وكأي رجـل يمهـد سـبيله‬ ‫ِّ‬ ‫فـي الحيـاة بابتسـامة تلازم شـفتيه، فيملـك بهـا القلـوب،‬ ‫ويفتـح أصفـاد الصـدور، وال نغمـط مغّينـا اقتـداره فـي هـذه‬ ‫ن‬ ‫الصناعة الشـفوية، فلقد أّرت في أكثرنا ابتسـامته أثر السـحر‬ ‫ثَ‬ ‫أو أعظم، فسـقطوا في يديه أسـرى دماثته ورهائن بشاشـته،‬ ‫وقـال أحدنـا: ما أظرف المغني، إنه – واهلل – للظرف المجسـد،‬ ‫َ ّ‬ ‫َّ‬ ‫وقـال آخـر: مـا أحسـبنا إال سنسـمع الليلـة مـا ال أذن سـمعت،‬ ‫ّ‬ ‫ونـرى مـن مغّينـا هـذا ماال عين رأت، وال شـك عندي أنه مكين‬ ‫ن‬ ‫فـي فّـه، بعيـد العهـد بممارسـته... ومضـت بعد ذلـك برهة في‬ ‫ن‬ ‫التشـوف واالنتظـار، ثـم مضـت برهـة ثانية في النقـر وإصالح‬ ‫ُّ‬ ‫اآلالت، ومضـت البرهـة الثالثـة، وال نـدري كيـف مضـت ألننـا‬ ‫فوجئنـا بزعقـة هائلـة، لـم نعلـم َأمـن السـماء هبطـت، أم مـن‬ ‫َِ‬ ‫األرض صعـدت، وصـوت صارخـة وهـي تعـدد، أم صـوت‬ ‫ّ‬ ‫قتيـل يسـتنجد، أسـتغفر اهلل، بـل لـم نعلـم أهي صوت إنسـان،‬ ‫أم عزيـف طائفـة مـن الجـان، ولمـا أفقنـا مـن غشـيتنا وجدنـا‬ ‫بعضنـا ينظـر إلـى بعـض، وإذا بالمغّـي يصيـح: (ياليـل..‬ ‫ن‬ ‫ياليـل)، فمـا شـككنا أنـه ينـادي ليلة الحشـر، أو أبعـد ليلة فيما‬ ‫وراء التاريـخ، وأيقّـا أنـه صاحـب الزعقـة األولـى.‬ ‫َْن‬ ‫يـا ضيعـة األمـل، أهـذا هـو المغنـي الظريـف اللطيـف..؟‬ ‫وانطلـق الرجـل يعـوي وينهـق ويصهـل ويمـوء ويثغـو وينعق‬ ‫ويصيـح بصـوت كل حيـوان مزعـج فـي األرض. أهـي بدعـة‬ ‫جديـدة فـي الغنـاء المصـري ؟ وهـذا الرجـل صاحـب مذهـب فـي‬ ‫الموسـيقى قـد أراد بـه أن ِّـد صيـاح هـذه الحيوانـات محاكاة‬ ‫يقل‬ ‫ألصـوات الطبيعـة.‬ ‫وبعـد. أال يكـون الرجـل مازحـا ؟ إنهـا إحدى اثنتيـن: فإما أن‬ ‫ً‬ ‫يكـون مازحـا أو مجنونـ ً، وإال فـإن رجلا معافـى سـليم العقـل‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فـي شـناعة صوتـه، وقبيح تلحينـه ورداءة طريقته ، ال يعقل‬ ‫أن يـدع نفسـه فـي الغنـاء، وفـي الغنـاء ال غيـر، فقد كان أسـهل‬ ‫أن يدعـي اإلمـارة مـن أن يدعـي الغناء.‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وطفـق الرجـل يلحـم دورًا بـدور، ويضـرب لحنـا بعـد لحـن،‬ ‫ً‬ ‫وكلمـا قلنـا قـد انتهـى، إذا هـو يبـدأ، ونحـن بحـال ال يعلمهـا إال‬ ‫ُِ‬ ‫مـن ابتلـي بليتنـا فـي ليلـة كان يظـن أنهـا سـتكون مـن أسـعد‬ ‫َّ‬ ‫لياليـه، فـإذا هـي أنحـس ما مر بـه من الليالي، فال نحن نسـمع‬ ‫شـيئا يحسـن السـكوت عليـه، وال يخّـى بيننـا وبيـن أنفسـنا‬ ‫ُ ل‬ ‫ً‬ ‫فنتسـّى عن السـماع بالسـمر، ولما يئسـنا من سـكوته من لدن‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫نفسـه أوعزنـا إلـى أحـد إخواننـا أن يمازحـه لعلـه ينصرف عن‬ ‫الغ