aldoha magazine N 75 | Page 133

‫أمام موقف سيارات األجرة لمحت سائق ً،‬ ‫ا‬ ‫ليــس ِّقــا كثيــراً، وهــو مســن بعض‬ ‫متأن ً‬ ‫ِ ّ‬ ‫الشــيء. ألقيت حقيبة سفري فوق المقعد‬ ‫الجانبي.‬ ‫ درب السلطان، الدارالبيضاء.‬‫تفحصني السائق بنظرة حائرة: هل كنت‬ ‫َّ‬ ‫أبدو سائحا أم ال؟ هذه هي المسألة.‬ ‫ً‬ ‫ يمكــن أن نذهــب عبــر الشــاطئ، هناك‬‫فنادق درجة أولى.‬ ‫ أنا ذاهب إلى درب السلطان. هل تعرفه؟‬‫ تقصد حي العيون؟ تغير اســمه، أما أنا‬‫ّ‬ ‫َّ َ‬ ‫فال.‬ ‫ وأنا أيض ً. هيا انطلق!‬‫ا‬ ‫ بسم اهلل! ها قد انطلقنا!‬‫وكأنه حّق بنا. العجالت تدور والطريق‬ ‫ل‬ ‫تهــرب. هــل أغمضت عينــي ونحن ندخل‬ ‫إلى المدينة؟ ال أعلم شــيئ ً. هذه الشوارع‬ ‫ا‬ ‫الواســعة، وهذه العمارات الحديثة أشــد‬ ‫ّ‬ ‫واقعيــة مما كنــت أتخيله، لــم ِّف أي‬ ‫تخل ّ‬ ‫ّ‬ ‫صــدى في ذاكرتــي. لم أقطــع العالم كي‬ ‫أجد نفســي داخل هذا المتروبول وهو في‬ ‫ذروة نموه االقتصادي.‬ ‫ّ‬ ‫كنت أبحث عن ماضي.‬ ‫ََّ‬ ‫يوجــد بيــت العائلــة بيــن زاويتــي زنقة‬ ‫أنغــورا، وأيــت يافلمــان، شــيد ســنة‬ ‫ُ ِّ‬ ‫8391. بنايــة عاليــة من طابقيــن تطلى‬ ‫ُ‬ ‫واجهتهــا بالجير األبيض مرة في الســنة.‬ ‫بالنســبة لجميع من عــاش هنا، للجيران‬ ‫كمــا بالنســبة ألصدقــاء الثانويــة، كانت‬ ‫«الدارالبيضــا» هــي المنــزل األبيض الذي‬ ‫شــيده ب َّاء إسباني بمفرده حجرًا حجراً.‬ ‫َّ َ ن‬ ‫وضعت فــي أســاس بيتنا قطعــة فضية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثقوبة من الوســط لطلب البركة من اهلل،‬ ‫ووضعت أمي نواة شجرة زيتون. لم تنم‬ ‫ُ‬ ‫الزيتونة أبداً. طوال حياتي وأنا حريص‬ ‫علــى مراقبــة األرض. فــي هــذا المنــزل‬ ‫وضعت خطة كتابي «الماضي البسيط»،‬ ‫وأيضــا لكتــاب «الحضــارة أمــاه!» خــط‬ ‫ُ َّ‬ ‫ً‬ ‫هــذان الكتابــان تحــت الصقيــع. وهنــا‬ ‫تســيد أول راديــو «ت س ف» فــي الحــي‬ ‫َّ‬ ‫جميعــه، شــبيه بخزنــة ثقيلــة ومربعة.‬ ‫َّ‬ ‫يأتي عشــاق الدار البيضاء من كل صوب‬ ‫وحــدب لســماع ما يــذاع من الصبــاح إلى‬ ‫المســاء: أغاني أم كلثوم، وعبد الوهاب.‬ ‫وباالضافة إلى الموسيقى كانوا ينصتون‬ ‫إلى عظمــة قصائد أحمد شــوقي أو أحمد‬ ‫رامي، التي َّمت العربية الفصحى عند‬ ‫تعل‬ ‫«الدارالبيضا» هي المنزل األبيض الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيَّده بَنَّاء إسباني بمفرده حجرا حجرا‬ ‫سماعهما. كما درست بالموازاة اليونانية‬ ‫والالتينية من ناحيــة أخرى. كان بعض‬ ‫أســاتذتي مــن الضيــوف المميزيــن، فقد‬ ‫َّ‬ ‫كانــوا يعطونني دروســا خصوصية في‬ ‫ً‬ ‫المنــزل، وينصرفون علــى عجلة ورعين‬ ‫ومتخميــن بتجــارب جيــدة عــن الحيــاة.‬ ‫َّة آنذاك من‬ ‫(أعتقد أن فرنســا كانــت محتل‬ ‫طــرف األلمــان). كانــت الحــوارات التــي‬ ‫يجرونها مع والــدي، أمي خاصة، غنية‬ ‫ّ‬ ‫ومبهجة. كنت أحضر ألقوم بترجمتها.‬ ‫األشــياء كلها كانت موجودة في الزقاق،‬ ‫فــي الهواء الطلق: أكتــاف اللحم، الدجاج‬ ‫المربــوط، ســال الفواكــه الجافــة،‬ ‫والتوابــل الملونــة، الصيدلــي تحــت‬ ‫ّ‬ ‫الخيمة، والحالق الذي يجعل من كرسيه‬ ‫الوحيــد صالونــ ً، الــراوي الشــعبي،‬ ‫ا‬ ‫العرافــات، المجامــر حيث الشــواء، فرقة‬ ‫كناوة، ســقاء الماء بكؤوسه النحاسية،‬ ‫السمســار الــذي يقايض بصــوت جهوري‬ ‫أي شيء بأي شيء آخر. حاخام المدينة‬ ‫الــذي يضــرب ورق الدانتيــا فــي انتظار‬ ‫يوم الســبت. أطفــال يلعبون الكــرة بين‬ ‫طــاوالت الجزاريــن، أصــوات، صراخ،‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضحك متتال، البشــرية بكاملها منخرطة‬ ‫ومندمجــة فــي الحيــاة اليوميــة. الناس‬ ‫يعــرف أحدهــم اآلخــر كل المعرفــة منــذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫األسالف إلى األعمام من الدرجة الرابعة،‬ ‫الذيــن غــادروا الحياة والذين ســيولدون‬ ‫ِّــدة زينــب عضــوًا‬ ‫قريبــ ً. كانــت المول‬ ‫ا‬ ‫أساســيا داخل المنــازل جميعهــا. عندما‬ ‫ً‬ ‫تصنع ســيدة منزل