aldoha magazine N 75 | Page 110

‫البقاء عىل صلة بقاء يف اللغة‬ ‫ٌ‬ ‫هيثم حسني‬ ‫يعالــج التركــي تونــا كيريميتشــي فــي‬ ‫ّ‬ ‫روايته «الصلــوات تبقى واحــدة» (ترجمة‬ ‫عمــرو محمــود الســيد، العربــي للنشــر‬ ‫ّ‬ ‫والتوزيــع، القاهــرة) جوانــب مــن صــراع‬ ‫القوى والنفــوذ وممارســات اإلدانة، على‬ ‫االنتمــاء والهويــة. وكيف أن الحــب يحمي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحيــاة ويقــوي دفاعــات المرء، فــي حين‬ ‫ّ‬ ‫إن الكراهيــة تشــوه القلــب، وتعكــر صفــو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الروح. ويؤكــد أن الدعــوات دائما واحدة،‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫يصّي الناس الذين لديهم معتقدات مختلفة‬ ‫ل‬ ‫فــي أماكنهــم المقدســة وأماكــن عبادتهــم،‬ ‫ّ‬ ‫يطلبــون مــن الــرب األشــياء نفســها، مــن‬ ‫ّ‬ ‫قبيــل الصحــة الجيــدة والزيجــة الصالحــة‬ ‫ّ‬ ‫واألبناء الصالحين والسعادة والمال وغير‬ ‫ذلــك مــن األمنيــات واألحالم.‬ ‫يصــور كيريميتشــي فــي روايتــه هــذه‬ ‫ّ‬ ‫امــرأة عجــوزًا اســمها مــدام روزيــا تبلــغ‬ ‫الثامنــة والثمانين من عمرهــا، تعيش في‬ ‫ٍّ‬ ‫ألمانيا، تنشر إعالنا يتضمن طلب موظف‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يتحدث التركية، وال تشــترط الخبرة. أي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يكــون الحديــث محــور اهتمامهــا واللغــة‬ ‫محورها. تتقدم الشابة بيلين -وهي طالبة‬ ‫ّ‬ ‫جامعية تركية تدرس في ألمانيا -قاصدة‬ ‫ّ‬ ‫العنــوان المثبــت فــي اإلعــان، تفتــح لهــا‬ ‫البــاب خادمة صامتــة اســمها ويلدا.‬ ‫َ‬ ‫تتفاجأ بيلين بأنها متقدمة إلى وظيفة‬ ‫ّ‬ ‫تكــون فيهــا مجبــرة علــى الحديــث مــع‬ ‫ســيدة عجــوز، لكّهــا ال تغــادر لحاجتهــا‬ ‫ن‬ ‫إلــى المال. تعــرف من المــدام روزيــا أّها‬ ‫ن‬ ‫قضــت الســنوات األكثــر روعــة وجمــا ً،‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫وأيضـا األكثــر حزنـا وغرابــة مــن حياتهــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فــي إســطنبول، ومــا عايشــته فــي تلــك‬ ‫المدينــة هــو مــا شــكلها، وتؤكــد أن كل‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫خطــوة أو نفــس تنّســته فــي إســطنبول‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫شــيء غــال بالنســبة لهــا. تجــد نفســها‬ ‫عجــوزًا مريضــة، لــم يعــد أمامهــا الكثيــر‬ ‫مــن الوقــت فــي الحيــاة، تعتريهــا نوبــات‬ ‫نســيان، فتصــر علــى االحتفــاظ بذاكرتهــا‬ ‫ّ‬ ‫عبــر اســتخدام فتــاة تتقــن التركيــة كــي‬ ‫تبقيهــا علــى صلــة باللغــة ومــن ثــم علــى‬ ‫َ َّ‬ ‫011‬ ‫صلــة بالمــكان مــن خاللهــا.‬ ‫ذكريــات تلــك الســنوات تعيــش داخــل‬ ‫عقلها مع اللغة التركية، وهي ال تعلم متى‬ ‫ســتمحي ذاكرتها بشــكل تام. لكن األطباء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫يقولــون إن تدهورها قد يزداد ســرعة في‬ ‫ّ‬ ‫أي وقــت. تخشــى إن نســيت التركيــة، أن‬ ‫ّ‬ ‫يختفي كل ما عاشــته في الماضي أيض ً،‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫وهــذا هــو ســبب نشــرها اإلعــان. والمهــم‬ ‫ّ‬ ‫بالنســبة إليهــا هــو التح ـدث والفضفضة.‬ ‫ّ‬ ‫يكون الحكــي وســيلتها لمقاومة المرض،‬ ‫وتحــدي المــوت أو التهيئــة الســتقباله‬ ‫ّ‬ ‫ببشاشــة وهــدوء، وبمــا يليق بهــا، بعيدًا‬ ‫عن توترات االحتضار والمنازعة وانتظار‬ ‫ّ‬ ‫اللحظــة األخيرة.‬ ‫تحكي روزيال لبيلين حكايات كثيرة،‬ ‫تتحـدث إليهــا عــن اســتبداد الزمــن وفتكــه‬ ‫ّ‬ ‫بالبشــر والذواكر. تقدم قصصها ببســاطة‬ ‫ّ‬ ‫مــن دون تكلــف، قــد تقطــع حكايــة لتبــدأ‬ ‫ّ‬ ‫بأخرى، ثم تعــود إلتمام الســابقة. بيلين‬ ‫ّ‬ ‫تستمع، تتضايق بداية من هوس روزيال‬ ‫بالحكايــات والماضي، ثــم تتآلــف معها،‬ ‫ّ‬ ‫وتشــارك فــي الحديــث. بعــد ذلــك تشــتاق‬ ‫إليهــا، تســتلم الدفــة أحيان ـا مــن روزيال،‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تحكي لهــا مقتطفــات مــن حياتها.‬ ‫يحضــر التنــادي للتعايــش والتســامح‬ ‫لدى كيرميتشي من خالل تعبيرات مشتركة‬ ‫بين معتنقــي الد