aldoha magazine N 75 | Page 101
فاصلة
عبد السالم بنعبد العالي
الصداقة طريقا إلى العيش .. معا
ً
ً
ألسـباب َّـدة أصبحنـا ال نرى فـي الصداقة إال ظاهـرة فردية،
معق
عالقـة بيـن أفـراد تكشـف عـن حميميـة ينفتـح فيهـا األصدقـاء
بعضهـم علـى البعـض اآلخـر بعيـدًا عـن العالـم الخارجـي
ومشـاغله. إنهـا المجـال الـذي يخلو فيـه األصدقاء إلى أنفسـهم،
وهـي ال تنشـأ إال بيـن ذوات فرديـة، بـل إنهـا ميـدان التفاعل بين
الـذوات بامتيـاز.
يتناسـب هـذا المفهـوم عـن الصداقـة، كمـا توضـح حنـة آرندت،
ّ
مع شـكل االسـتالب الذي يعيشـه الفرد الحديث «الذي ال يمكن أن
ينكشـف حق االنكشـاف إال بعيدًا عن كل حياة عمومية»، والذي
يكـون هـو هـو بقدر مـا ينعكف على ذاته ويديـر ظهره لآلخرين.
فهـو يتأنسـن في المونولوج أكثر مما يتأنسـن فـي الديالوج.
هـذه الكيفيـة التـي نعيـش بهـا الصداقـة تجعلنـا أبعـد مـا نكـون
عـن فهـم مـا يعنيه فيلسـوف ال ينتمي إلى عصرنا مثل أرسـطو،
عندمـا يقـول إن الصداقـة بيـن المواطنيـن هـي أحـد الشـروط
األساسـية لقيـام الحيـاة الفاضلـة داخل المدينة. فنحن سـرعان
مـا نـؤول قولتـه لصالـح رؤيتنـا، فنميـل إلـى االعتقـاد بـأن
ّ
فيلسـوف العصـر القديـم ال يعمـل بتلك القولة إال علـى النداء إلى
ّ
التـوادد بيـن األفـراد ُّبـا لـكل مـا مـن شـأنه أن يفـك أواصـر
تجن ً
المجتمـع. غيـر أننـا ال نعمـل بذلـك إال علـى إعطـاء الصداقـة
والفيليـا مع ًى أخالقي ً، محدديـن األخالق، كعادتنا، باعتبارها
ا
ن
َ
ّ
شـأنا خصوصيـا يقابـل السياسـي الـذي هـو الشـأن العمومـي .
ً
أوضحـت حنـة آرنـدت أن هـذا الفصـل بيـن األخالق والسياسـة،
وهـذا التصـور لإلنسـان على أن خصوصيته ال تتحّـق إال بعيدًا
ق
ُّ
عـن العمومـي. وهـذا الفهـم للصداقـة كانشـغال شـخصي، إن كل
َّت
هذا ليس إال إسـقاطا لرؤية تشـبعت بالنزعة الفردانية، وتغذ
ً
َ َّ
علـى االسـتالب الـذي يطبـع المفهـوم الحداثـي لإلنسـان. ذلـك
أن ماهيـة الصداقـة، ماهيـة الفيليـا، ال تحيلنـا فـي نظرهـا إلـى
ّ
ّ
أفـراد منعكفيـن علـى ذواتهـم بقـدر مـا تقـذف بنـا داخـل المدينة.
إن تلـك الماهيـة َّـل فـي الحـوار، وهي تسـكن الخطـاب، فقد
تتمث
كان اليونـان يعتقـدون أن «العالـم ال يصبـح بشـريا إال عندمـا
ً
يغـدو موضـع حـوار وجـدال عمومـي»، وأن تبـادل الـكالم،
والحوارالدائـم المتواترهـو الكفيـل بـأن يجمـع المواطنيـن فـي
المدينـة، ويوحـد بينهـم.
ِّ
ال ينبغـي أن نفهـم مـن ذلـك أن األصدقـاء هـم الذيـن توحدهـم
ّ
اآلراء، والذيـن يتحدثـون «الـكالم نفسـه». فـي هذا السـياق يؤكد
ِّ
َّ
جيـل دولـوز أن مـا يجمـع األصدقاء ليس «أفـكارًا واحدة»، ليس
األفـكار نفسـها، وإنمـا «لغـة موحـدة»، أو على األصـح «ما قبل-
َُّ
لغـة موحـدة»، نـوع مـن األرضيـة المشـتركة، إنـه «أسـاس ال
ُ َ َّ
متعيـن مـن غير أفـكار مشـتركة».
ّ
مـا أبعدنـا هنـا عن مفهوم اإلجماع! إ