أكياس شعريية
فاطمة إبراهيمي
فــي الغرفة الشاغرة الوحيدة فــي المنزل، أفتح كيس
الكوكايين على الطاولة الصغيرة، التي كانت تحمل ماكينة
الخياطة الخاصة بأمي. تنادي أمي: فاطمة هيا، سوف نسافر.
ّ
ٍ ٍ
أطبق قبضتي على كيس الكوكايين، أسأل بصوت عال: أين
سنذهب أمي؟ إلى المنزل. لكننا في المنزل أمي. سنعود إلى
المنزل فاطمة.
أغلق كيس الكوكايين. أضعه في جيب بنطالي األيمن. أركب
الطائرة. ننزل من الطائرة، ريقي جاف، أشعر بالهلع، لو
استوقفني اآلن أي من المفتشين سأذهب في داهية. ال، في مئة
ٌّ
ِ
داهية، ستذهب هذه العائلة بالكامل في داهية. ال يقترب مّي أي
ن ّ
من المفتشين. أهم بالتنهد. َّف. شعور بالحزن اعترضني.
ُّ أتوق
ّ
ندخل المنزل، أتوجه فــورًا للبحث عن غرفة فارغة. الغرف
َّ
جميعها فارغة، فالعائلة تجتمع في غرفة الطعام. أفتح كيس
الكوكايين، أضع القليل على الطاولة، أقرب أنفي منه، يتحول
َّ
ّ
إلى شعيرية. أتفاجأ. أشعر بالحنق. أغلق كيس الكوكايين
وأعيده إلى جيب بنطالي األيمن. أبحث في الغرفة عن كيس،
أزيح حفنة الشعيرية من فوق الطاولة إلى الكيس، وأضعها
بعد أن أربطها في جيب السترة الداخلي األيسر. أعود إلى غرفة
الطعام، العائلة تقفز بين بقع الحديث. ال أطيق الوقوف أكثر.
أتوجه إلى غرفة فارغة جديدة. أجد أخي أيمن يأخذ جرعة. ومرة
َّ
ّ
أخرى، أقرب أنفي من جرعتي، تتحول إلى شعيرية. يخرج أيمن
َّ
ّ
من الغرفة. أبحث عن كيس جديد، أضع فيه الشعيرية، أدسه في
ٍ
ّ
جيب بنطالي األيسر، وأتوجه إلى غرفة أخرى. يتكرر ما حصل.
َّ
ّ
أدس كيس الشعيرية البيضاء -لفرط ما غلت في الماء على ما
ّ
يبدو- في جيب البنطال األيمن بجانب كيس الكوكايين. خسر
وزنا كيس الكوكايين، كيس آخر يمكنه مشاركته الجيب. حين
ً
أخرج من الغرفة ألمح من أحد الممرات حديقة المنزل. أطير إلى
أمي. حديقة المنزل مدهشة أمي، شهقت عندما رأيتها، أناس
ٌ
كثر هنا، كثر، مثل مكعب من الناس يقف فيها، لكن ال بأس،
الحديقة جميلة، من يلوم زوارها، األعمدة الرخامية الضخمة
ّ
ّ
ذات العروق البّية أسرتني، لم أكن أعرف أن سماء الحدائق
ّ
نّ
تحتاج إلى أعمدة رخامية أمي، ربما حديقتنا فقط،
شيء طبيعي. حديقة كهذه قد يغمى على سمائها
ُ
في أي لحظة، فتنتني الشجرة ذات األوراق
َ َ َْ
اإلسطوانية الهشة الصفراء في الزاوية
ّ
اليمنى، لكن رغم كل شيء لماذا اخترتم
ِ
اللون األصفر لألشجار؟ هل الحظت أن
الحديقة أصبحت كبيرة بالفعل؟ أصبحت
تغطي المنزل، هل تعتقدين أنه سيكون
من السهل الوصول إلى المنزل دائما رغم
ً
ذلك أمي؟ لم أكن أعرف أنكم كنتم تعملون
001
من أجل الحديقة. تقوم أمي بنظرة مرعبة بعينيها. أنصرف
إلى غرفة فارغة، أحاول الحصول على جرعة، لعنات! إّها
ن
الشعيرية البيضاء الغبية مــجــدداً. أعّي ليست لــدي مشكلة
ن
َّ
ّ
في استنشاق الشعيرية اآلن، لكن هذا صعب، لسبب بسيط،
فتحة األنف أصغر بكثير من فتحة الفم، سيحتقن أنفي. أكره
أن يحتقن أنفي، تذكرين؟ يحتقن أنفك دائما بعدما تبكين،
ً
ويصبح من الصعب التنفس من خالله، فتضطرين لترك فمك
مفتوح ً، لكن برودة الهواء توجع أسنانك، فتعانين األمرين
ا
ّ
ِ
وأنت تحاولين تنظيم دخول الهواء وخروجه بين أنفك وفمك.
على أية حال ال بأس، يجب أن أركز اآلن وأرتب خيوط هذه
ِّ
ِّ
الشعيرية، حتى تمر بسالسة إلى أنفي. إنها دبقة ومتالصقة،
ّ
لعنات! وتتقطع باستمرار! ال فائدة. أبحث عن كيس، أربطه
ّ
بعد نقلها إليه، وأضعه في جيب سترتي الداخلي األيمن. يظهر
أيمن في الغرفة، يبتسم بتواطؤ ويقول بعد أن يحول نظره من
ّ
األرض إلي: تعالي معي، سأعّمك كيف. أتجاهله وأتوجه إلى
ل
َّ
ّ
أمي. هذا المنزل غريب أمي، أقول. تستاء أمي: هذا منزلنا، ال
يمكن للمنزل أن يكون غريب ً. أنصرف للبحث عن أيمن. أعطيه
ا
كيس الكوكايين، يفرغ الكمية المتبقية منه على لوح، يد