مجلة ثانوية المتميزين في الديوانية May. 2014 | Page 23

‫املتميزون‬ ‫أنامل على الطريق‬ ‫محمد علي ع��ي��دان | الثاني متوسط‬ ‫في أحد أيام الشتاء الباردة المليئة بأبخرة السيارات‬ ‫وأبخرة األنفاس المتعبة والمتسابقة مع أصحابها‬ ‫في الطريق العام حيث تسبح غيوم األرض برفقة‬ ‫ً‬ ‫غيوم السماء وفي هذه األثناء انا انتظر جالسا في‬ ‫السيارة وأترقب خروج أطفالي من المدرسة فقد‬ ‫لفت نظري من بين كل الصور التي يراها شخص‬ ‫يراقب وكأنه يراقب شاشة التلفاز رأيت تلك‬ ‫العينين الرقراقتين فقلت لنفسي ما أجمل هذه‬ ‫العيون المخبئة في ظالم الفقر وليس ظالم الليل‬ ‫كانت هذه اللقطة لطفل اعتقد هو في العاشرة‬ ‫من عمره وقد جلس قرب رصيف المدرسة وكأنه‬ ‫يستيح وبقربه ذلك الكيس المليء بعلب الببسي‬ ‫الفارغة ولقد رأيت كثيراً من هذه المناظر ولكن الذي‬ ‫لفت انتباهي تلك النظرات المنبعثة من عينيه‬ ‫نحو بناية المدرسة ونحو بابها كأنه يخاطبها وكأنه‬ ‫عاشق ينظر حبيبته من بعيد وال يستطيع وصالها‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وهنا فتحتُ باب السيارة قليال كي ال يأخذ البرد‬ ‫طريقه الى مكاني الدافئ ونادية عليه فألتفت اليه‬ ‫وأشرت بيدي له ان يأتي نحوي فحمل كيسه الثمين‬ ‫وأرول نحوي بتلك المالبس الرثة المناسبة لعمر‬ ‫اصغر وعندما اقترب سلمت عليه فرد عليّ بأحسن‬ ‫ما يكون فنظرت في ذلك الوجه البريء الناطق‬ ‫رغم قساوة برد الشتاء على وجنتيه وتحولها اللون‬ ‫الطفولي الوردي الى اللون القاتم وتلك العينين‬ ‫البريئة باالجوبة وليس االسئلة عن حاله فبادرته‬ ‫بالسؤال ماذا تفعل هنا يا ولدي؟ فقال لي :انا اعمل‬ ‫, فقلت له مشيراً الى كيسهِ هل هذا هو عملك ؟‬ ‫فقال:نعم ,فقلت له: اذن لماذا تجلس هنا‬ ‫فقال:كانت مدرستي درست فيها حتى الصف الثالث‬ ‫ولكن بعدها تركت المدرسة وكنت من التالميذ‬ ‫االذكياء أحب القراءة والرياضيات واخذ يسترسل لي‬ ‫بالحديث فقاطعته وقلت له لماذا تركتها ؟‬ ‫ً‬ ‫فأجاب بصوت ينعصر الما :‬ ‫ُ‬ ‫لقد قتل ابي واخي في احدى‬ ‫التفجيرات وبقيت انا وامي‬ ‫واختي وتركت المدرسه لكي اساعد امي واختي‬ ‫وكذلك تعمل امي وتفترش إحدى االرصفة لكي‬ ‫تبيع بعض ....‬ ‫وهنا قاطعته ألنه موعد الدوام ولم ادعه يكمل‬ ‫ً‬ ‫فأخرجت من جيبي مبلغا من المال فمد يدهُ‬ ‫ليأخذه وكأن يده الخشنه كأنها اشواك تالمس يدي‬ ‫فهي لطفل ولكن بملمس ال يمد لنعومة االطفال‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بصلة فركض مفرحا مبتعداً عني. خرج الطفال من‬ ‫المدرسه واصواتهم تتراقص انغام في اذاني كل‬ ‫ٍ‬ ‫واحد منهم يريد ان يروي قصة يومه وجاء اطفالي‬ ‫وركبوا السيارة ولكن فجأة وبعد مده قصيرة‬ ‫سمعنا صوت انفجار هز االرض من تحت سيارتنا‬ ‫ً‬ ‫ومأل الدخان المكان وأسرعت مغادرة المكان خوفا‬ ‫على طفلي ولكن شاءت الصدفه ان أمرَّ على موضع‬ ‫التفجير وأرى القتلى فأغضَ اطفالي عيونهم ولكن‬ ‫رأيت من بعيد تلك االشالء المقطعه في كل مكان‬ ‫ولكن ماذا أرى رأيت تلك اليد الخشنة لذلك الطفل‬ ‫مازالت تمسك بالنقود فحرص وقوة كأنها امانة‬ ‫يريد ايصالها الى اهلها لكي يفرح قلب امه بما حمل‬ ‫لها ولكن بدون صاحبها ألعرف ماذا انتابني بتلك‬ ‫اللحظة لقد توقف الزمن الذي خفت ان يسبقني‬ ‫منذ لحظات .‬ ‫وكنت اقول في نفسي ليتني تركته ليكمل كالمه‬ ‫االخير ويعبر عما في داخله ولو كنت اعلم ان وقته‬ ‫سينفذ بعد لحظات لما خفت على وقتي ان يسرف‬ ‫بكلماته وامنياته الذي افترشت الطريق فوق تلك‬ ‫االدماء الحزينة .‬ ‫32‬