مقاالت
التدوين السوري وجدلية االلتصاق بالواقع
مل يكن انتشار املدونات يف سوريا حتى فرتة قريبة بالكثافة املطلوبة مثلام هو الحال يف دول العامل واملنطقة
العربية، حيث بقي التدوين ألسباب تقنية وحكومية بتأثري سياسة الحجب السابقة، محصورا ً بفئات قليلة من
املهتمني النخبويني والصحافيني العاطلني عن العمل أو السوريني املغرتبني، ليكتسب التدوين تدريجياً أهمية أكرب
يف ظل األزمة السياسية التي تعيشها البالد، حتى تكرس يف األذهان كنشاط فكري معارص بشمولية امللتيميديا،
ومل يعد مقبوالً النظر إليه كمجرد هواية لقطع أوقات الفراغ بعكسه فنوناً كاملة من الكتابة واألدب إىل التصوير
والغرافيكس مرورا ً بالصحافة وإعالم املواطن وغريها، لتربز بحدة قضية انعكاسات األزمة الطويلة يف البالد سياسياً
وأمنياً واجتامعياً واقتصادياً، عىل قرارات املدونني السوريني فيام يقدمونه للجمهور.
وتشهد أروقة اإلنرتنت اليوم، والدة جيل كبري من املدونني الذين وجدوا يف التدوين صيغة أكرث رسمية رمبا
للتعبري عن أفكارهم مقارنة بالرثثرة اليومية عىل الشبكات االجتامعية التي احتلت صدارة اهتامم رشائح واسعة
من الجمهور يف عرص الومضات عىل ‘فايسبوك’ و‘تويرت’، وبتنا نالحظ والدة مجتمعات افرتاضية تضم املدونني
معاً كـ ‘اتحاد املدونني السوريني’ وصفحة ‘مدونات سورية’ عىل ‘فايسبوك’، أو موقع ‘كوكب سوريا’ الذي يجمع
التدوينات السورية لعدد كبري من املدونات ويعيد نرشها عرب الـ ‘.’RSS
ال يوجد إحصاء دقيق لعدد املدونات السورية اليوم، خاصة أن هناك قسامً من املدونني ال يفصح عن هويته
الشخصية لسبب أو آلخر، وتنشط معظم تلك املدونات عىل محريك ‘ووردبرس’ و‘غوغل’ فيام يبقى استخدام
منصة ‘تامبلر’ محدودا ً، وتتنوع اهتاممات أولئك جميعاً بني املذكرات الشخصية البسيطة وصوالً للتحليالت
السياسية املعمقة مرورا ً بعرشات املواضيع املتخصصة والعامة األخرى.
مدى التصاق املدونني بالواقع السوري يف ظل الحرب األهلية التي تعصف بالبالد منذ العام 1102 ليست
متشابهة لدى الجميع، حيث تتحكم القرارات الفردية واملزاجية الذاتية بالتدوين إىل حد كبري، نقطة فاصلة بني
التدوين كفن إعالمي (مجازياً) وبني العمل االحرتايف يف وسائل اإلعالم التقليدية، وإن كان العمل االحرتايف محصورا ً
بضوابط الزمان واملكان وقيم األخبار املتعددة، فإن التدوين يتحرر من ذلك نحو آفاق أوسع للتعبري عن الذات
دون قيود.
43
العدد 0
أيار / مايو ـ 4102