وكأمثلة على أثر مفهوم النمذجة في العلوم المختلفة هو اثبات آينشتاين لنظريتيه النسبية الخاصة والعامة باستعمال النمذجة الرياضية للفيزياء , و نمذج الخوارزمي قبله بقرون عديدة المعادلات الرياضية هندسياً لفهمها وحلها بل وللتأكد من صحتها . ولا ننسى جدول أحمد بن منعم في كتابه " فقة الحساب " الذي نمذج الكميات والمتقابلات الحسابية بالتفصيل تدويناً واسترجاعاً في جدول ديناميكي غاية في الروعة لا يزال مستعملا حتى اليوم في مجالات لا تحصى !
لقد أصبحنا اليوم بعد 6000 عام قادرين على تسجيل الأشكال , الألوان , القياسات , الكميات , المواصفات , الترتيب الزمني وتاريخ الإنجاز , التكلفة , الملاحظات الكتابية والإتفاقيات القانونية , في محاكاة حقيقية لما سيكون في الواقع والمزيد المزيد في نموذج واحد مركزي متاح للقراءة , التعديل الآني أو الاضافة من قبل أفراد متعددي الاختصاصات متواجدين في مناطق مختلفة حول العالم . تعرف هذه التقنية اليوم بأسماء عديدة أشملها وأكثرها صحة « نمذجة معلومات البناء «. تجسد نمذجة معلومات البناء بيانات المشروع الموجودة أصلا كي نستطيع رؤيتها جميعا بوضوح و بنفس الطريقة , لأننا كبشر مختلفين سنتفق على طريقة العمل لو اتفقنا على تعريفه , فهمه وتصوره . والسبيل الى ذلك هو اعطاء رؤية متكاملة تشمل كل الزوايا والطبقات لكل الاطراف , تجبر كل طرف على النظر من زاوية الآخر و الاخرين أيضاً . يعتبر هذا بداية مهمة لتخطيط صحيح وأساساً صلبا للانتقال لمحاكاة المشروع ( الخطوة الثانية ) وبنائه افتراضيا قبل بنائه في الواقع أو بمعنى أخر بناء المشروع مرتين !
Build Your project Twice ليتم تفادي كل الأخطاء في المرة الأولى ( الافتراضية ) في عملية البناء الثانية ( الحقيقية (. هذا إضافة لإمكانية تعريض المبنى الافتراضي لظروف اختبار في محاكاة واقعية ( الخطوة الثالثة ) مع الوسط الخارجي إضافة لكشف التعارضات بين انظمته الداخلية , ثم متابعة التنفيذ الواقعي ( الخطوة الرابعة ) علاج أي مشاكل ناتجة عن تغيير التصميم تبعا لطلبات مشغل المشروع Project operator التي قد لا تأتي متأخرة بعد الانتهاء من التصميم .
تلخص هذه الدورة نظرية دائرة ديمنغ « أبوالجودة » ( خطط – نفذ – إفحص – باشر ) ورائد هندسة التصنيع وهو ما يثبت تأثر نمذجة معلومات البناء بأفكار هندسة التصنيع وحتى التصميم الصناعي أيضا من حيث الجودة العالية , توفير الوقت والتكلفة .
مع كل ما سبق فلا نزال بحاجة لتطوير خطة عمل واضحة متفق عليها من قبل الجميع لزيادة نسبة استفادتنا من كل الامكانيات الهائلة لنمذجة معلومات البناء , فعلى الرغم من نجاح عدة تجارب , لكن لاتزال نسبة الاستفادة ضعيفة بالمقارنة مع أجدادنا الذين استطاعوا بأدوات بسيطة استفادوا منها بالكامل , بناء صروح حضرية وعمرانية لا نزال نراها مدهشة حتى اليوم ! ذلك أن اشتغالنا بالتنوع , الاختلاف والتغير المستمر لهذه التقنية شغلنا عن الاستغلال الكامل لها , الأمر الذي لا يكون الا بخطة تنفيذ صحيحة والتوقف عن الجري وراء كل شيء , انتقاء الانسب والتخصص والتعاون مع الاختصاصات الأخرى .
باسم فريق المجلة , أرحب بكم في العدد السادس لمجلتكم بيم عربيا
أحمد لطفي
5 BIMarabia