aldoha magazine N 75 | Page 44

‫حرب األشباح‬ ‫د. رضوى فرغيل‬ ‫ً‬ ‫طرحــت ســؤاال علــى صفحتــي فــي‬ ‫ُ‬ ‫الفيســبوك: هــل عانــى أحدكــم يومــا‬ ‫ً‬ ‫مــن «إشــاعة» مــا؟ ومــاذا كان تأثيرهــا‬ ‫النفســي عليكــم؟ وكيــف كان رد فعلكــم؟!‬ ‫ّ‬ ‫وصلــت تعليقــات كثيــرة، أنتقــي منهــا‬ ‫هنــا اثنيــن فقــط:‬ ‫أجــاب «ع»: اإلشــاعات خربــت بيتــي!‬ ‫ســافرت فتــرة خــارج البــاد لدراســة‬ ‫الدكتــوراه، وتركــت زوجتــي وولديــن.‬ ‫مــن أطلــق اإلشــاعة هــي أختــي الصغــرى‬ ‫التــي كانــت علــى خــاف حــاد مــع‬ ‫ّ‬ ‫زوجتــي، واتهمتهــا بأنهــا علــى عالقــة‬ ‫بشــخص آخــر كان خطيبهــا ســابق ً.‬ ‫ا‬ ‫لألســف! بعــد فتــرة بــدأ الشــك يلعــب‬ ‫برأســي خصوصــا أن زوجتــي رفضــت‬ ‫ً‬ ‫الدفــاع عــن نفســها بحجــة أننــي يجــب أن‬ ‫ّ‬ ‫أثــق بهــا بعــد مـدة زواج ثمانــي ســنوات!‬ ‫ّ‬ ‫وحيــن أصــررت علــى مناقشــتها‬ ‫واتهامهــا، أصــرت هــي علــى الطــاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقــد كان. بعدهــا أثبتــت لــي أنهــا إشــاعة‬ ‫بعــد أن ســجلت اعترافــا ألختــي فــي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ســاعة غضــب، ولكنهــا رفضــت أن أردهــا‬ ‫َّ‬ ‫إلــى عصمتــي مــرة ثانيــة!‬ ‫وقالــت «س»: واجهــت كغيــري مــن‬ ‫النــاس مشــكالت كثيــرة فــي العمــل،‬ ‫وكانــت تمــر بســام. حديثــا أطلــق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫زميلــي إشــاعة بأننــي أقمــت معــه عالقــة‬ ‫44‬ ‫جنســية، وفبــرك مجموعــة صــور‬ ‫َْ َ َ‬ ‫لنــا معــا فــي أوضــاع حميمــة، بعــد أن‬ ‫ً‬ ‫رفضــت محاوالتــه المســتميتة للتقــرب‬ ‫ُّ‬ ‫منــي وأن أقبــل دعوتــه للذهــاب إلــى‬ ‫«الشــاليه». نتيجــة لذلــك تــم فصلــي‬ ‫َ َّ‬ ‫مــن عملــي بعــد إصــراره علــى ذلــك‬ ‫عنــد المديــر. لكننــي حمــدت اهلل أننــي لــم‬ ‫أخســر بيتــي وعائلتــي ألن زوجــي كان‬ ‫علــى علــم ببعــض مراوداتــه لــي.‬ ‫إن اإلشــاعات صــورة عنيفــة وغيــر‬ ‫مرئيــة مــن العــداء اإلنســاني، تعتمــد‬ ‫ّ‬ ‫علــى وقائــع مشــوهة أو مفبركــة، أو‬ ‫ُ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫عبــارات كاذبــة أو محرفــة تتناقــل بيــن‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫النــاس بســرعة شــديدة دون التأكــد مــن‬ ‫ّ‬ ‫صحتهــا، بهــدف النيــل مــن شــخص أو‬ ‫ّ‬ ‫مؤسســة أو مجتمــع مــا. وفــي النهايــة‬ ‫َّ‬ ‫يجــد الشــخص المســتهدف نفســه أمــام‬ ‫َ‬ ‫حــرب أشــباح!‬ ‫ال تقتصــر اإلشــاعات علــى بلــد‬ ‫بعينــه، وإن اختلفــت طبيعتهــا‬ ‫ومضمونهــا، مــن مجتمــع آلخــر، فالــدول‬ ‫المنتجــة والمتقدمــة حــررت نفســها مــن‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّــق باألمــور‬ ‫ســطوة اآلخــر فيمــا يتعل‬ ‫الشــخصية، لذلــك فاإلشــاعات المرتبطــة‬ ‫باألشــخاص وحياتهــم الخاصــة قليلــة،‬ ‫وإن وجــدت فــإن تأثيرهــا غيــر مدمــر‬ ‫ِّ‬ ‫للفــرد أو معــوق لــه فــي النجــاح واعتــاء‬ ‫ِّ‬ ‫مناصــب مهمــة، فقــد يعــرف عــن شــخص‬ ‫ّ‬ ‫مــا عالقاتــه الغراميــة أو الجنســية‬ ‫المتعــددة أو أي ســلوك آخــر ال يرتبــط‬ ‫ِّ‬ ‫بقدرتــه علــى العمــل وبأدائــه الوظيفــي‬ ‫المتميــز، ويظــل ذلــك فــي حيــز الحيــاة‬ ‫َ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الشــخصية طالمــا أنــه ال يمــس حياتــه‬ ‫ّ‬ ‫العمليــة واالجتماعيــة.‬ ‫أم ــا مجتمعاتنــا العربيــة فإنهــا تعيــش‬ ‫غالبــا علــى القيــل والقــال، علــى القتــل‬ ‫ً‬ ‫المعنــوي لآلخــر، وتفــرض ســلطة‬ ‫مجتمعيــة قاهــرة علــى الفــرد، وال تفــرق‬ ‫ِّ‬ ‫بيــن الحيــاة العامــة والحيــاة الخاصــة،‬ ‫ويــدرك الوعــي الجمعــي لمعظــم النــاس‬ ‫أن اإلشــاعة قــد تهــدم مســتقبل إنســان أو‬ ‫تدمــر حياتــه أو تعيقــه عــن التواصــل‬ ‫ِّ‬ ‫فــي عملــه أو وظيفتــه، لــذا يســتخدم‬ ‫البعــض اإلشــاعات كســاح فعــال ضــد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شــخص أو مجموعــة غيــر مرغــوب فيهــا،‬ ‫وغالبــا مــا تتنــاول الحيــاة الشــخصية‬ ‫ً‬ ‫للفــرد وبالتحديــد الجانــب األخالقــي‬ ‫والجنســي ألن مــن الصعــب إثباتهمــا،‬ ‫وحتــى لــو دافــع الشــخص عــن نفســه‬ ‫وأثبــت براءتــه، تكــون اإلشــاعة حققــت‬ ‫غرضهــا، وشــوهت ســمعته بالفعــل،‬ ‫َّ‬ ‫فانتشــارها ال يقــارن بانتشــار خبــر‬ ‫َ‬ ‫البــراءة منهــا.‬ ‫اإلشــاعة إحــدى صــور العــدوان غيــر‬