aldoha magazine N 75 | Page 115
خريف جوالن الساحر
عامد الدين موىس
تختصر الســنة، وربما العمر اإلبداعي
ُ
بمجملــه، لــدى الشــاعر الســوري جــوالن
ٍ
حاجــي فــي فصــل واحـد هــو «الخريــف»،
هــذا الفصــل بأزليــة كائناتــه وتناقضاتها
وبتجــدده الالنهائــي، ال بالمفهــوم الزائل
ُّ
والعابــر، حيــث فيه مــن الطيور والشــجر
ُ
واألزاهير على تنوعها وأشكالها وخرافيتها
ّ
ُّ
ما لــن نجده فــي الربيــع وال فــي أي فصل
تخيلــي آخــر، الخريــف بســحره الخــاب
ّ ّ
وزخم أســئلته الوجوديــة وال محدوديته
ّ
فــي المخيــال واإلرث األدبيين.
َّْ
قصيــدة جــوالن حاجــي فــي مجموعته
الشــعرية الجديدة «الخريف، هنا، ساحر
وكبير»، (دار إل سترينته اإليطالية)، كما
في مجموعاته الســابقة، تميل نحو رسم
فضــاء إبداعــي مغايــر ومختلــف عمــا هــو
ّ
سائد، مؤسسة إلشــكالية خصوصيتها،
ِّ ً
ّ
دون أن تفتــرق - مــن جهــة أخــرى - عــن
األســس الجماليــة للشــعرية المعاصــرة،
ّ
مســتفيدًا منهــا ومضيف ـا إليهــا، ال مكــررًا
ً
ِّ
لها فحســب.
فــي «الخريــف، هنــا، ســاحر وكبير»،
وهي رابــع مجموعات حاجي الشــعرية،
تبــدو القصيــدة أكثــر إلمامــا باالختــزال
ً
اللغوي علــى أش ـده، كذلك السالســة من
ّ
ناحية العناية الفائقــة باختبار المفردات
وانتقائهــا، ودرايــة بأولوية النــزوح إلى
ّ
معجم خاص بها، فتأتي اللغة متناســقة
ٍ
ٍ
ومتناغمــة مــع الفكــرة فــي خــط بيانــي
ّ
واضــح المعالــم.
أولــى قصائــد الكتــاب التــي حملــت
المجموعــة عنوانهــا، فيهــا نجــد الســرد
التدريجي الذي عمد إليه الشاعر من خالل
تتالي المقاطع إلى جانب اعتماد الغنائية
ّ
الشعرية ببساطتها وفطريتها وموسيقاها
ّ
الخافتــة ال بإيقاعاتهــا الصاخبــة، حتــى
يخــال القــارئ كأنــه يســير علــى العشــب
الناعــم، فــي حيــز مــن األلفــة بيــن ثنائية
ّ
ّ
«القارئ/ الكائــن» وثنائية «األشــياء من
ّ
حولــه/ األشــياء داخــل النــص»، تمهيــدًا
للوصــول إلــى بــؤرة التوتــر واإلدهــاش
ّ
فــي نهاية القصيــدة، حيث يقــول حاجي:
ُ
ٍ
«ســتعود/ جائعــا كفكــرة تخشــى أن
ً
تموت./ وإذا فتحت أي باب،/ لتطمئن أو
ّ
َ َّ
تغادر،/ فتحت الحيرة./ ســتدنو المرآة
َ
وتعلــو./ كعدويــن قديميــن/ ســتحدق
ُّ
ّ
عينــاك فــي عينيــك».
العــدو هنــا هــو اآلخــر، وكذلــك الــذات
األخــرى، طالمــا كل كائــن فيــه شــيء من
االنفصــام والنديــة (مــن النــد) مع ـ ً، ومــا
ا
ِّ
ّّ
التقابل أو ما يســمى بلعبة المرايا ســوى
ّ
التأكيــد علــى ذلــك.
فــي قصيــدة أخــرى تخــص الخريــف
ّ
بمفهومه الشــمولي هي قصيدة «أعشاش
ّ
فارغة» ينتقل الشــاعر من المرئي وســرد
التفاصيــل إلــى الكّيــة فــي التجريــد،
لّ
ٍ
فالقصيــدة هنــا أشــبه بلوحــة تشــكيلية
أكثــر مــن أن تكــون قصيــدة، تحتفــي
ْ
بالــوداع كلــون وتيمــة أساســية لهــا،
ٍ
ورغــم أن المشــهد ال يبــدو جديــدًا لكــن
الجديــد هــو زاويــة التقاطــه، حيــث يقول
ُ
الشــاعر: «الضباب بخار كلمــة نطقت ولم
ٍ ُِ ْ
ُ
ُ
نســمعها./ الحائرات رأين هــاال أرق من
ً َّ
ِ
خيط العنكبوت/مزقه الصيادون./ آذانهن
ّ
ّ
عالم