Tarek El Mahaba | Page 8

القديس الشهيد مار مينا العجائبي

أشهر الشهداء المصريين ، نال شهرة لم ينلها أي شهيد مصري سواء في القطر المصري أو خارجه . ولعل السبب في ذلك العجائب الكثيرة التي يجريها الرب بصلواته إلى يومنا هذا لذا يطلق عليه الشهيد مارمينا العجايبي . وُلد حوالي سنة ‎285‎ م . ببلدة نقيوس Niceous مركز منوف محافظة المنوفية . كان والده أودكسيوس
Eudouxious حاكماً‏ للمدينة ، وكان جده Plondionus أيضً‏ ا حاكماً‏ . وقد نال أودكسيوس شهرة عظيمة بسبب فضائله وتقواه . حسده أخوه أناطوليوس لأن الجموع كانت تحبه أكثر منه ، فوشى به لدى الملك كارينوس . لكن الملك أراد أن يكسب الاثنين ، فأرسل قائده هيباتوس Hypatos ومعه أمر تعيين أودكسيوس حاكماً‏ على مدينة أفريقيا القديمة ( الجزائر ) عوضً‏ ا عن حاكمها الذي كان قد مات . وطلب من القائد أن يرافقه ويطمئن عليه وعلى أسرته ، ويُسهل له الطريق في مقره الجديد . حزن شعب نقيوس جدًا عليه ، بل وندم أخوه أناطوليوس على ما فعله .
ابن الموعد : اشتاقت أوفيميه زوجة أدوكسيوس العاقر أن يهبها الرب نسلاً‏ طاهرًا . وكانت تصوم حتى المساء وتقدم صدقات كثيرة للفقراء والغرباء . وفي أحد أعياد السيدة العذراء في ‎21‎ طوبة في كنيسة العذراء بأتريب رفعت قلبها المنكسر نحو الرب يسوع وطلبت شفاعة القديسة مريم . وإذا بها تسمع صوتًا من أيقونة الطفل يسوع المسيح وقد حملته والدته يقول لها « آمين ‏«.‏ حملت وأنجبت ابن صلواتها الذي قدمه لها السيد المسيح كوعدٍ‏ منه ، فدعته مينا أي آمين . ابتهجت المدينة كلها بميلاده وأطلق أودكسيوس كثير من المسجونين ، وقدم صدقات كثيرة .
نشأته : اهتم به والده ، فهذبه بتعاليم الكنيسة بروح إنجيلية ، وغرس فيه محبة الكتاب المقدس والعبادة والسلوك بروح التقوى . مارس حب المعرفة الحقيقية بفكرٍ‏ كنسي تعبدي بورع وتقوى . مات والده وهو في الحادية عشر من عمره ، ثم والدته وهو في الرابعة عشر . ورث عنهما
خيرات كثيرة وبركات روحية مع كرامة . بعد سنة من نياحة والدته عُينّ‏ وهو في الخامسة عشر من عمره ضابطًا في الجيش في فرقة أفريقيا القديمة ( الجزائر ‏(،‏ ونال مركزًا مرموقًا لمكانة والده .
رهبنته : التهب قلب مينا الضابط بالجيش بمحبة الله الفائقة ، فقام بتوزيع أمواله على أخوة يسوع الأصاغر . وإذ اشتهى تكريس كل وقته وطاقاته لحساب مملكة الله ترك خدمة الجيش بعد ثلاث سنوات ( سنة ‎303‎ م ) وتوجه إلى البرية ليتعبد فيها . صدر منشور من قِبل الإمبراطورين الجاحدين دقلديانوس ومكسيميانوس يأمران فيه بالسجود للأوثان وتقديم قرابين لها . بعد خمسة أعوام من رهبنته رأى وهو يصلي الشهداء يُكللون بواسطة الملائكة ، ويحملونهم إلى الفردوس ، وقد صاروا في بهاء أعظم من الشمس . اشتهى القديس مينا أن يصير شهيدًا ، فسمع صوتًا من السماء يقول : « مبارك أنت يا آبا مينا لأنك دُعيت للتقوى منذ حداثتك . فستنال ثلاثة أكاليل لا تفنى ولا تزول ‏...‏ واحد من أجل بتوليتك ، والآخر من أجل حياتك النسكية ، والثالث من أجل استشهادك هذا . سيصير اسمك مشهورًا بين الشهداء . لأني أجعل الناس من كل قبيلة ولسان يأتون ويعبدونني في كنيستك التي ستُبنى على اسمك ، وفوق ذلك كله ستحصل على مجدٍ‏
لا يُنطق به ومجيد في ملكوتي الأبدي ‏«.‏
في ساحة الاحتفال : ترك القديس مينا البرية وانطلق إلى المدينة في ثياب النسك ، وكان ذلك اليوم يوافق احتفال ديني عظيم . تمرّرت نفسه وهو يرى الجماهير الكثيرة في هذا الضياع . تقدم إلى ساحة الاحتفال ، وصرخ نحو الجماهير معلنًا اشتياق الله أن يعرف الكل محبته وخلاصه فقال بصوتٍ‏ عالٍ‏ : « وُجدتُ‏ من الذين لم يطلبونني وصرتُ‏ ظاهرًا للذين لم يسألوا عني » ( راجع إش ‎21‎ : ‎65‎ ؛ رو
‏(.‏ ‎20‎ : ‎10‎ ذُهلت الجماهير لهذا المنظر ، وحدث صمت رهيب . حينئذ تساءل الوالي عماّ‏ حدث ، وكيف تجاسر هذا الإنسان ليُعطل الاحتفال بعيد الإمبراطور مزدريًا بالأمر
الإمبراطوري . أعلن الراهب إيمانه بشجاعة . تعرف عليه بعض العسكريين وأخبروه عن مركزه القديم . اندهش الوالي لساعته وقال له : « لماذا تركت جنديتك ؟ وكيف تعترف أنك مسيحي ؟«‏ أجابه القديس » « إني جندي حقًا ، لكنني آثرت أن أكون جنديًا لربي يسوع المسيح لأجل مرضاة اسمه القدوس ‏«.‏ وضعوه في الهنبازين Hemetarim وكشطوا جسمه حتى ظهرت عظامه . وفي سخرية كان القائد يسأله إن كان قد شعر بالعذاب أم لا . أما هو فأجابه : « عذاباتكم هي رأسمالي ، فهي تُعد لي الأكاليل أمام المسيح ملكي وإلهي ‏«.‏ سحبوه على أوتاد حديدية حادة مدببة حتى تمزق جسمه ، وأخذوا يدلّكون جراحاته بأقمشة خشنة . سلّطوا مشاعل متقدة على جنبيه لمدة ساعتين كاملتين ، وقد رفع عنه الرب الألم فلم يتأوه . ضرب على فمه حتى تكسرت أسنانه ، فكان يلهج قلبه بالشكر ، حاسبًا أنه غير مستحق أن يُهان من أجل اسمه القدوس . إذ فشل القائد في إقناعه أرسله إلى الوالي مع رسالة شرح فيها ما حدث وركب الجند السفينة مع القديس مينا . سمع صوتًا من السماء يناجيه : « لا تخف يا حبيبي مينا لأني سأكون معك أينما تحل ‏«.‏ ألقاه الوالي في السجن مع كثيرين فكان يُعزّيهم ويشجعهم . هناك ظهر له السيد المسيح نفسه وعزّاه ثم صعد إلى السماء . في اليوم التالي استدعاه الوالي إلى مجلس القضاء وأخذ يلاطفه ويتملّقه ، وإذ لم يجد حيلة توعده بالموت . أمر بجلده بسيور جلد الثور ، وحاول نشره بمنشار حديدي صلب ، وإذا بالمنشار يذوب كالشمع . أخيرًا أمر الوالي بقطع رأسه بالسيف . وفي مكان الاستشهاد ركع القديس وصلي رافعًا يديه إلى السماء فضربه السيّاف وتمت شهادته في اليوم الخامس عشر من شهر هاتور حوالي سنة ‎309‎ م ‏.،‏ وكان عمره ‎24‎ عامًا . أوقد الجند نارًا لحرق جسده ، لكن بقي الجسد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ‏ داخل اللهيب ولم يحترق . حمله بعض المؤمنين وكفّنوه بأكفان ثمينة ودفنوه بكل وقارٍ‏ .
8