التجارب والضيقات : حدودها البابا شنودة الثالث وفوائدها
قداسة
التجارب والضيقات : حدودها البابا شنودة الثالث وفوائدها
لا تخلو حياة إنسان -أيًا كان- من التجارب والضيقات . فهي للكل ، حتى للأنبياء والقديسين ، والأمثلة عديدة ، نذكر منها ما تعرض له أيوب النبي ويوسف الصديق ... فلا يظن أحد أن التجارب والضيقات هي للخطاة فقط بسبب خطاياهم . وإنما هي لجميع الناس . وهناك فرق بين خاطئ يتعرض لضيقة بسبب أخطائه ، وبين بار تصيبه ضيقة بسبب شر الآخرين أو حسدهم ، أو لأي سبب خارج عن إرادته وجميع الأبرار اجتازوا بوتقة الألم ، واختبروا الضيقة والتجربة ، ولم يستثنهم الله من ذلك . فكثيرة هي أحزان الصديقين ، ومن جميعها ينجيهم الرب . « كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّ دِّيقِ ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ » ( سفر المزامير وحدوث تلك التجارب ، لا تعنى مطلقًا تخلى الله عمن أصابتهم تلك المتاعب والضيقات . كما لا تعنى غضبه عليهم أو عدم رضاه ..! بل أنه -تبارك اسمه- قد يسمح بالتجربة لمنفعتهم . ويكون معهم في التجربة ، يعينهم ويقويهم ويحافظ عليهم ، ويسندهم أيضً ا ... إنه يسمح بالضيقة ، ولكنه يقف معنا فيها وهكذا يغنى المرتل في المزمور ويقول « لولا أن الرب كان معنا ، حين قام الناس علينا ، لابتلعونا ونحن أحياء ، عند سخط غضبهم علينا ... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ انكسر ونحن نجونا . عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض » ( مز124 (. إنه اختبار جميل : أن نرى معونة الله في خلال ضيقاتنا ... وأن نختبر حنو الله ومحبته وعمله من أجلنا . وهذه هي إحدى فوائد التجارب التي فيها نشعر أن بعض
القوات السمائية تقف معنا ، وتصد عنا . ونختبر أيضً ا قول المزمور « ملاك الرب حالّ حول خائفيه وينجيهم «. من أجل هذا ، فإن المؤمن لا يمكن أن تتعبه الضيقات . ذلك لأنه يؤمن بتدخل الله وعمله وحفظه . ويؤمن بأن الله يهتم به أثناء الضيقة أكثر من اهتمامه هو بنفسه . وكلما حلّت به مشكلة ، يؤمن أن الله قادر على حلها ، بل أن الله عنده حلول كثيرة . لذلك فالمؤمن لا يفقد سلامه الداخلى أثناء التجارب ، ولا يفقد اطمئنانه ، وثقته بعمل الله . إن كل تجربة هي بلا شك مجال لخبرة روحية جديدة ، تعمّق مفاهيم الإنسان برعاية الله وعمله على أن الله -في شفقته وحنانه- قد وضع قواعد معينة للضيقات التي يسمح لها إن تحدث . وفي مقدمتها :
+ إن الله لا يسمح بتجربة هي فوق طاقتنا البشرية إنه -جلّت قدرته- يعرف مقدار احتمال كل واحد منا ، ولا يسمح أن تأتيه التجارب إلا في حدود احتمال طاقته البشرية ولعل أحدهم يسأل : ما أصعب التجربة التي وقعت على أيوب الصديق ، في موت أولاده ، وضياع ثروته ، وفقد صحته ، وتخلى أصدقائه ... من كان يستطيع أن يحتمل كل هذا ؟! ونجيب بأن الله كان يعلم أن الطاقة الروحية لأيوب كانت تقدر أن تحتمل كل هذا ، لذلك سمح بما حدث أما أنت فلا تخف . لو كنت في قامة روحية مثل أيوب ، لأمكن أن تتعرض لمثل تجاربه . ولكن الله لا يسمح لك أن تُجَرَّب إلا في حدود احتمالك .
+ الشرط الثاني أن الله لا يسمح بالضيقة إلا ومعها المنفذ ... أي تأتى المشكلة ومعها الحل . فلا توجد تجربة وهى حالكة الظلام ، دون أية نافذة من نور ... فليس هناك مجال لليأس . إن الحل موجود ، وربما يحتاج
إلى شيء من الوقت ، يمنح صاحب التجربة فضيلة الصبر وانتظار الرب . حيث ينظر إلى المشكلة في رجاء ، يرى الحل بعين الإيمان قادمًا من خلال محبة الله وقدرته ... والله قادر أن يمنح الاحتمال والصبر .
+ ينبغي أن نعلم أيضً ا أن التجارب التي يسمح بها الله ، هي للخير . أو تنتهي بالخير ( اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات (... فكل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الرب . حتى إن كانت المشكلة تبدو شرًا في ذاتها ، فإن الله بصلاحه قادر أن يحوّلها إلى خير . وهكذا فالإنسان المؤمن يؤمن بخيرية التجارب ، سواء في وقتها أو فيما بعد ... ولهذا فإن التجارب لا تطحنه ، ولا تضغط عليه ، ولا تفقده سلامه . وكثيرًا ما كنت أقول :
« إن الضيقة سُ ميت ضيقة ، لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها . أما القلب الواسع فلا يتضايّق
+ شرط رابع للتجربة : إن لها زمنًا محددًا تنتهي فيه .. فلا توجد ضيقة دائمة تستمر مدى الحياة ... ولهذا ففي كل تجربة تمرّ بك ، يمكنك أن تقول « مصيرها أن تنتهي » أي سيأتي وقت تعبر فيه بسلام ... إنما عليك – خلال هذا الوقت – أن تحتفظ بهدوئك وبسلامة أعصابك . فلا تضعف ولا تنهار ، ولا تصغر نفسك أمام التجربة . ولا تفقد الثقة في الرب يسوع واعلم أن التجارب نافعة بلا شك . ولولا منفعتها ، ما كان الله الشفوق يسمح بها ... وما أكثر الفضائل التي يمكن أن نحصل عليها ، إن كنا نتعامل مع الضيقات بطريقة روحية . إنها تقوى النفس ، وتمنحها ألوانًا من الخبرات ، سواء في معالجة المشاكل ، أو في الرجاء والإيمان بعمل الله . أو في الحكمة التي يقتنيها المختبرون ، أو في التدرب على الصمود وقوة الثبات أمام الضيقة حتى تنتهي ، مع التدرب على الاحتمال والصبر ... ولولا الدخول في بوتقة التجارب ، لأصبحت النفوس هشّ ة مدلّلة لا تقوى على شيء ، ولم تتدرب على الدخول في الصعاب واحتمالها ..
4