الغضب الخاطئ..
الشخص الروحي -إذا غضب -يكون غضبه مجرد تعبري
عن عدم رضاه عىل الخطأ .ويكون غض ًبا ألجل الحق ،أو
دفا ًعا عن اآلخرين .وقد يكون بحزم ،ولكن ال يفقد فيه
أعصابه ،وال يخطئ بلسانه .ومثل هذا الغضب ال لوم
عليه .ولكن هناك غض ًبا خاط ًئا ،تدخل فيه الرنفزة التي
هي تلف يف األعصاب .ومعه قد يعلو الصوت أو يحتد
ً
انفعال واض ًحا معي ًبا ،ويبدو ذلك
ويشتد ،وينفعل الشخص
أيضً ا يف مالمحه وأعصابه .هذا هو الغضب الخاطئ...
وهذا النوع من الغضب يحمل يف طياته العديد من
األخطاء :فباإلضافة إىل ما فيه من حدة وعصبية ،فيه
أيضً ا قساوة قلب .وتزداد هذه القساوة كلام ازدادت
حدة الغضب .وقد تصل يف بعض األحيان إىل العنف ،واىل
الرضب واالعتداء.
وطب ًعا يف حالة الغضب ال يحتمل الشخص غريه ،وتزول
منه مشاعر املحبة ،ألن املحبة تحتمل كل شئ وتصفح عن
امليسء .أما الغضوب فإنه ال يصفح عن غريه يف إساءاته،
أو ما يظن إنها إساءة .وال يستطيع أن يغفر .وبالتايل يحرم
نفسه من مغفرة الله له شخص ًيا..
والغضوب يقع يف كثري من خطايا اللسان .فهو تلقائ ًيا
يهني َم ْن يرى أنه قد أساء إليه ،ويحكم عليه أحكا ًما .وقد
يَ َتلَفَّظ بكلامت جارحة ويشتم ،غري محرتم لغريه .ويترصف
بأسلوب غري الئق ،رمبا يلومه عليه الناس ويفقدون
تقديرهم له .وهو قد يندم أخ ًريا عىل ما فعله ،حينام تهدأ
أعصابه الثائرة ويتوقف غضبه .ولكن بعد فوات الوقت...
ويكون يف كل ذلك قد وقع يف عدم ضبط النفس ،ويف
عدم السيطرة عىل األعصاب وعىل اللسان .ورمبا يكون
فيام قاله عن غريه أثناء ثورة غضبه ،قد ظلمه بأحكام هو
برئ منها ،أو عىل األقل مل يصل أبدً ا إىل مستواها .ولكن يف
الغضب يتصور الشخص يف من يهاجمه أفكا ًرا مبنية عىل
سوء الظن مل تحدث منه ولن تحدث.
وقد يتطور الغضب مبشاعره الخاطئة فيتحول إىل بغضه،
وتتحول هذه البغضة إىل خصومة واىل معارك تستمر .ألن
ما يخطئ به الشخص يف غضبه ،رمبا ال يستطيع أن يعالج
نتائجه .فيام تلفظ به من شتائم أو إهانات أو تهديدات
أو جرح شعور أو اتهامات ظاملة ...هذا كله قد يرتك
يف نفسية الطرف اآلخر تأثريات عميقة ،تح ّول األمر إىل
كراهية بينهام !...وهكذا حتى لو تاب الغضوب عن غضبه،
رمبا تظل نتائج غضبه باقية!...
ومع الغضب أيضً ا تكمن خطية التهور واالندفاع :فغال ًبا ما
يكون الغضب مصحوبًا بالترسع ،أو يكون نتيجة للترسع
واالندفاع ،ويأخذ فيه الشخص قرارات أو ترصفات غري
مدروسة ،وهو يف حالة انفعال!..
وهذا الغضوب يريد أن ينتقم لكرامته أو لحقوقه ،ولرد
خطية منفرة ومدمرة
اعتباره ،ويعمل عىل رد ما يرى أنها إساءة مبا هو أشدّ
منها!
وىف أثناء الغضب يفقد كل فضائل الوداعة والتواضع .ألنه
يفقد حلمه وهدوءه ،ويفقد اللطف والبشاشة والحنو،
ويتحول إىل كائن ثائر هائج الطبع .وهو يفقد أيضً ا صفات
الشخص املتضع ،ألنه كام قال أحد اآلباء الروحيني «إن
اإلنسان املتواضع ال ُيغضب أحدً ا ،وال َيغضب من أحد».
فاملتواضع يجلب املالمة عىل نفسه فال يَغضب .كام أنه
يلتمس بركة كل أحد ودعاه ورضاه ،لذلك ال يسمح لنفسه
أن يغضب أحدً ا.
والشخص الغضوب يفقد أيضً ا سالمه ،ويفقد الكثري من
عالقاته ،إذ أنه يف غضبه يفقد سالمه الداخيل ،سالم القلب
والفكر وسالمة األعصاب