العذراء كل حين
نيافة الأنبا روفائيل
القُدُّوسُ المَولُودُ مِنكِ يُدعَى ابنَ الله ( لو35:1 (. كان قلبها و جسدها و كيانها كله مكرسا لله , كمثل رئيس كهنة العهد القديم الذى كان ينقش على عمامته عبارة « قدس للرب أنها كانت قدس للرب , مقدسة و مخصصة لله فقط .. أكثر من الصينية التى تحمل جسد الرب على المذبح , ولا يمكن أن تستخدم فى غرض آخر غير الذى كرست و دشنت من أجله . لقد حبلت العذراء بالطفل الإلهى , وولدت , وظلت عذراء و بتوليتها مختومة .. و اعتادت الكنيسة منذ فجرها الأول أن تلقب القديسة مريم بالعذراء ( بارثينيوس ) و الدائمة البتولية ( ايبارثينيوس (, للتعبير عن دوام بتوليتها قبل و أثناء و بعد الحمل والولادة . ولكن يظل السؤال .. كيف ولدت القديسة مريم ومع ذلك ظلت عذراء ؟! الإجابة هى أنه كما خرج الرب يسوع المسيح من القبر و القبر مغلق , وكما دخل على التلاميذ و الأبواب مغلقة حتى إنهم ظنوه شبحا .. هكذا ايضا خرج من العذراء وظلت العذراء كما هى و بتوليتها مختومة . قال القديس جيروم :« مع أن الباب كان مغلقا , دخل يسوع إلى مريم , القبر الجديد المنحوت فى الصخر , الذى لم يرقد فية أحد من قبله ولا بعده . انها جنه مغلقة , ينبوع مختوم . هى باب المشرق الذى تحدث عنه حزقيال , المغلق إلى الدوام , المملوء نورا ... ودعوهم يخبرونى كيف دخل يسوع و الأبواب مغلقة , وأنا أجيبهم كيف تكون القديسة مريم أما و عذراء بعد ميلاد ابنها ؟«. قال القديس مارأفرام السريانى :« كما دخل الرب و الأبواب مغلقة هكذا خرج من حشا البتول وبقيت بتوليتها سالمة لم تحل «. قال القديس أوغسطينوس :« بعد قيامة المسيح عندما ظن أنه روح قال لتوما :« هات يدك و انظر , لأن الروح ليس له جسد و عظام كما ترى «. وبالرغم من أن جسده جسد شخص فى سن الرجولة , فإنه دخل إلى حيث يوجد تلاميذه
خلف الأبواب المغلقة . فإذا كان قد استطاع أن يدخل خلال الأبواب مغلقة وهو فى جسد فى سن الرجولة , فكيف لا يستطيع إذا كطفل أن يترك جسم أمه دون إتلاف بتوليتها ؟ الذى يؤمن أن الله ظهر فى الجسد يصدق الأمرين كليهما , أما غير المؤمن فلا يصدق هذا ولا ذاك «. قال ذهبى الفم : نحن نجهل أمورا كثيرة , و على سبيل المثال : كيف وجد غير المحدود فى رحم العذراء ؟ ثم كيف الذى يحوى جميع الأشياء حملته امرأة ؟ ثم العذراء كيف ولدت و هى كما هى عذراء ؟. قال القديس كيرلس الكبير : لنمجد مريم دائمة البتولية بتسبحة الفرح «. قال القديس غريغوريوس الثيئولوغوس ::« ولد من عذراء و حفظ أيضا عذريتها و بتوليتها بلا تغيير «. قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص :« إن رحم العذراء الذى استخدم لميلاد بلا دنس هو مبارك , لأن الميلاد لم يبطل أو يحل عذريتها , كما أن العذراوية لم تمنع أو تعق ذلك الميلاد العالى , كما أعلن عنه فى الإنجيل :« طوبى للبطن الذى حملك و الثديين الذين رضعتهما «. وجاء فى ثيؤطوكية يوم الخميس :« يا للطلقات الإلهية العجيبة التى لوالدة الإله مريم العذراء كل حين . هذه التى منها اجتمع معاً بتولية بلا دنس و ميلاد حقيقى . لأنه لم يسبق الميلاد زواج , و لم يحل الميلاد أيضا بتوليتها , لأن الذى ولد إلها بغير ألم من الآب ولد أيضا حسب الجسد بغير ألم ( الشهوة ) من العذراء «. ونقول فى المجمع فى القداس الإلهى :« وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً , العذراء كل حين , والدة الإله القديسة الطاهرة مريم , التى ولدت الله الكلمة الحقيقية . طوباك أنت يا أمى البتول .. اشفعى فينا ليعطينا الرب الإله ابنك جزءا يسيرا جداً من طهارتك و حسن بتوليتك .
7
لسانى العاجز الخاطئ الضعيف كيف له أن يتجاسر و يتكلم بمديح يسير عن والدة الإله القديسة الطاهرة مريم « دائمة البتولية «. لقد وَلدت إلهنا الصالح بدون زرع بشر كنبوات الكتب , فتكلم إشعياء النبى مفتوح العينين من وراء الزمان قائلاً » ولكِن يُعطِ يكُمُ السَّ يِّد نَفسُ هُ آيَة : هَا العَذرَاءُ تَحبَلُ وَتَلِدُ ابناً وَتَدعُو اسمَهُ عِماَّ نُوئِيل ( إش14:7 ) لقد دعاها « العذراء » لأنها دائمة البتولية . وتنبأ حزقيال النبى الطاهر برؤيا واضحة قائلاً :« ثُم أَرجَعّنِى إلىِ طَرِيقِ بَابِ المِقدسِ الخَارِجِى المُتَّجهِ للمَشرِقِ , وهُوَ مُغلقٌ فَقَال لىِ الرب : هذا البابُ يكُونُ مُغلَقا , لا يُفتَحُ وَلاَ يَدخُلُ مِنهُ إنسانٌ , لأن الرب الهَ إِسرَائِيلَ دَخَلَ مِنهُ فيكُونُ مُغلقا ) حز2-1:44 ) وسليمان الحكيم فى نشيد الأنشاد مجد دوام بتوليتها قائلاً «: أُختِى العَروسُ جنةَ مغلقة , عين مقفله , ينبوع مختوم ( نش12:4 ) لقد نزرت العذراء الطاهرة بتوليتها لله , ولذلك اندهشت حينما بشرها الملاك جبرائيل بالحبل الإلهى الطاهر , و تسألت فى حيرة :« كيف يكُونُ هذَا و انَا لَستُ أعرِفُ رَجُلاً ؟«( لو34:1 (. لم يكن ممكنًا للعذراء الطاهرة ان تسأل هذا السؤال إن لم يكن هناك نذرً مسبق بأن تقدم بتوليتها لله , فقد و ضعت فى قلبها و ضميرها أن تحققه . لقد خافت العذراء ان تُحرم من بهاء البتولية , و انزعجت بهدوء , وتساءلت فى براءة .. ثم استراح ضميرها الملائكى و قالت :« هُوذَا انا أمةُ الربِّ ليِكُن لىِ كَقَولِك » ( لو38:1 (, عندئذ طمأنها الملاك بأنها ستظل بتولاً , و أن الحمل سيكون بفعل الروح القدس :« فَأَجَابَ الممَلاَ كُ وَقَالَ لَها : اَلرُّوح القُدُسُ يَحِ لُّ عَلَيكِ , وَقُوَّةُ العَلىِ ِّ تُظَلِّلُكِ , فَلِذلِكَ أيضاً