Tarek El Mahaba | Page 15

جاء المسيح ينشر الحب

‎15‎
لقد جاء المسيح ينشر الحُب . حيثما كان يتحرَّك ، كان الحُب يتحرَّك . وأينما كان يقيم ، كان الحُب يقيم . عرفه الجميع مُحبًّا ، ومُحبًّا للجميع ‏...‏
وكان يقول لتلاميذه : « وصية جديدة أنا أعطيكم : أن تحبوا بعضكم بعضً‏ ا كما أحببتكم ‏...‏ بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي : إن كان لكم حُبٌّ‏ بعضً‏ ا لِبَعضٍ‏ » ( يو : ‎13‎
‏(...‏ ‎35‎ ، ‎34‎ تُرى لماذا اعتبر هذا الحب وصية جديدة ؟ أليس لأنه يطلب لهم حُبًَّا من نوع خاص له عمقه . إنه الحُب الباذل ، مثل حُبه هو الذي قال عنه : « ليس لأحدٍ‏
حُبٌّ‏ أعظم من هذا : أنْ‏ يَضعَ‏ أحدٌ‏ نَفْسَ‏ هُ‏ لأجل أحِ‏ بَّائه » ( يو ‏(.‏ ‎13‎ : ‎15‎ وهكذا قيل عن محبته لتلاميذه : « إذ كان قد أحَبَّ‏ خاصَّ‏ تَهُ‏ الذين في العالم ، أحَبَّهُم حتى المُنتهى » ( يو ‏(.‏ 1 : ‎13‎ وعبارة « حتى المنتهى » هنا ، تعني أنها محبة بلا حدود ‏...‏
ولم يكن الحُب لتلاميذه فقط ، بل هي وصية للعالم كله ‏...‏ فلماَّ‏ سألوه : ما هي الوصية العُظمى في الناموس ( أي الشريعة ‏(؟ أجاب : « تُحِ‏ بُّ‏ الربَّ‏ إلهَكَ‏ من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك . هذه هي الوصية الأولى والعُظمى . والثانية مثلها : تُحِ‏ بُّ‏ قريبك كنفسِ‏ كَ‏ . بهاتين الوصيَّتين يتعلَّقُ‏ الناموس كله والأنبياء » ( مت ‎34‎‏-‏ : ‎22‎
‏(...‏ ‎40‎ وكلمة ( قريبك ) هنا ، تعني جميع البشر . لأننا كلنا أقرباء : أبناء أب واحد هو آدم ، وأم واحدة هي حواء ‏...‏
وطبيعي إن كان كل منا يحب جميع الناس ، فلن يسرق أحدًا ، ولا يقتل أحدًا ، ولا يسئ إلى أحد ، ولا يُدنِّس عفة أحد .
وإن كان يحب اللَّه ، فلن يعصاه في شيء ، ولا يكسر شيء من وصاياه . وبهذا يكون كلام السيد المسيح عن محبة اللَّه والقريب قد شمل كل نصوص الشريعة وكل وصايا الأنبياء .
والمحبة التي نشرها السيد المسيح تشمل محبة الأعداء أيضً‏ ا . فهو الذي قال : « أحِ‏ بُّوا أعداءكم . بارِكوا لاعِنيكم . أحسِ‏ نوا إلى مُبْغِضِ‏ يكُم ، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم » ( مت ‏(.‏ ‎44‎ : 5 وقال تعليقًا على ذلك : « لأنه إن أحبَبْتُم الذين يُحِ‏ بُّونكم ، فأيُّ‏ أجرٍ‏ لكم ؟!‏ أليس العشارون أيضً‏ ا يفعلون ذلك ؟«‏ ( مت ‏(.‏ ‎46‎ : 5 كما أنَّ‏ اللَّه المُحب ، هو أيضً‏ ا « يشرق بشمسه على الأشرار والصالحين ، ويمطر على الأبرار والظالمين » ( مت ‏(.‏ ‎45‎ : 5
وهكذا توصي المسيحية بأنه « إن جاعَ‏ عدُوُّكَ‏ فأطْعِمْهُ‏ . وإن عَطِ‏ شَ‏ فاسْ‏ قِهِ‏ » ( رو ‏(.‏ ‎20‎ : ‎12‎ وقد ضرب السيد المسيح مثل السامرى الصالح ، الذي وجد يهوديًا اعتدى عليه اللصوص وتركوه بين حي وميت . فلماَّ‏ رآه سامري
مسافر ، نزل واعتنى به ، وعالجه وحمله إلى فندق ، وأنفق عليه ( لو ‎36-30‎ : ‎10‎ ‏(.‏ بينما اليهود لا يعاملون السامريين ( يو ‏(.‏ 9 : 4 والقصد من هذا المَثل العناية بالأعداء من جهة ، ومعنى كلمة القريب من جهة أخرى .
إنَّ‏ محبة السيد المسيح قد شملت الغرباء مثل السامريين ، وقصته واضحة في هداية المرأة السامرية ، ومدينتها ( يو ) 4 ورفضه معاقبة قرية سامرية أغلقت أبوابها في وجهه . وقوله لتلميذيه وقتذاك إنه « لم يأتِ‏
ليُهلِكَ‏ أنْفُسَ‏ الناس بل ليُخلِّصها » ( لو ‎59-52‎ : 9 ‏(.‏
وشملت محبته الأمم أيضً‏ ا أي الGentiles وكان اليهود لا يقبلونهم ولا يتعاملون معهم ولا يتزواجون باعتبار أنهم من الكفرة غير المؤمنين . ولكن السيد المسيح تعامل معهم بحب . ولمَّا جاءه قائد مائة أُممي يطلب من أجل شفاء عبد له مُشرف على الموت ، وقال له : « يا سيد ، لست مُستحقًَّا أن تدخل تحت سقفي . لكن قُل كلمة فيبرأ غلامي ‏«.‏ فمدحه السيد المسيح وشفى غلامه . وقال للجمع المحيط : « إني لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا مقدار هذا » ( لو ‎10-2‎ : 7 ‏(.‏
ومن محبته لهؤلاء الأمم ‏-الذين كانوا يعبدون آلِهَة غريبة-‏ دعا تلاميذه أن يبشرِّ‏ وهم بالمسيحية ( أع ‏(،‏ 8 : 1 ( مر ‏(.‏ ‎15‎ : ‎16‎ وهكذا دخلوا في الإيمان ، وتركوا عباداتهم وأصنامهم ‏...‏ إذ قوبلوا بالمحبة وليس بالاحتقار .
وأحب السيد المسيح أيضً‏ ا العشارين والخُطاة ، وجذبهم إليه . ومن أمثلتهم زكا العشار الذي لمَّا دخل المسيح إلى بيته ، انتقده اليهود لأنه دخل عند رجل خاطئ . فردَّ‏ المسيح قائلاً‏ : « اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضً‏ ا ابن لإبراهيم » ( لو ‏(.‏ 9 : ‎19‎ وقال عن رسالته أنه « جاء يطلب ويُخلِّص ما قد هلك » ( لو ‏(.‏ ‎10‎ : ‎19‎
ومحبة السيد المسيح بالذَّات شملت المرضى والمحتاجين وكل مَن صرعهم الشيطان . فكان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المُتسلِّط عليهم إبليس ( أع ) ‎38‎ : ‎10‎ « فأحضروا إليه جميع السُّ‏ قماء المُصابين بأمراضٍ‏ وأوجاعٍ‏ متنوعة ، والمجانين والمصروعين والمفلوجين ، فشفاهم » ( مت ‏(.‏ ‎24‎ : 4 وكانت المعجزات ممزوجة بالحُب ، وأحيانًا بعبارة « تحنن ‏«.‏ ونفس هذا الحنان كان له في مجال التعليم ، إذ قيل عنه : « ولمَّا رأى الجموع تحنن عليهم ، إذ كانوا منزعجين ومُنطرحين كغنمٍ‏ لا راعي لها » ( مت : 9
‏(.‏ ‎36‎ ونفس هذا الحنان أيضً‏ ا قيل عنه في معجزة إقامته ابن أرملة نايين من الموت ( لو ‎15-11‎ : 7 ‏(.‏
ومحبته شملت جميع الفقراء والمحتاجين . ( انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام
المقالات والكتب الأخرى ‏(.‏ فقال عن الاهتمام بالجياع والعطاش والغرباء والعرايا والمحبوسين : « مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم » ( مت : ‎25‎
‏(.‏ ‎40‎ ووعد المهتمين بكل هؤلاء بالبركة والدخول إلى ملكوت الله .
ومحبته شملت أيضً‏ ا كل البؤساء ، والمُهمَّشين في المجتمع ، والذين هم في ضيق . وقد قال إنه جاء لكي « يبشر المساكين ، ويعصب منكسري القلوب ، ويُنادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق » ( إش ‏(.‏ 2 ، 1 : ‎61‎
كان ينشر الحُب الذي ترتبط فيه محبة اللَّه بمحبة الإنسان . كما يرتبط الحب بالإيمان وبالاحتمال . وهكذا تقول لنا المسيحية : « مَن لا يحب أخاه الذي يبصره ، كيف يقدر أن يحب اللَّه الذي لم يبصره » ( ‎1‎يو ‏(.‏ ‎20‎ : 4 على أنَّ‏ المحبة للإخوة ، ينبغي أن تكون محبة عملية ، وليست مُجرَّد كلام . فهذا تعلمنا المسيحية « لا نحب بالكلام ولا باللسان ، بل بالعمل والحق » ( ‎1‎يو ‏(.‏ ‎18‎ : 3 وهكذا توصينا « بالإيمان العامل بالمحبة » ( غلا ‏(.‏ 6 : 5 فكل عمل خالٍ‏ من المحبة ، لا يقبله اللَّه .
المسيحية تُقدِّم لنا اللَّه المُحب ، الذي أحبَّنا قبل أن نوجد ‏-حينما كنا في عقله فكرة ، وفي قلبه مسرة-‏ ومن أجل هذا الحُب أوجدنا . وبالحُب منحنا البركة والرعاية والمواهب . وفي محبته لنا ، ندعوه أبًا . ونُصليِّ‏ له قائلين : « أبانا الذي في السموات ‏«.‏ وفي محبته لنا ندعوه الراعي الصالح الذي يهتم بخرافه ، ولا يستطيع أحد أن يخطفها من يده ( يو
‏(.‏ ‎28-11‎ : ‎10‎
إنه إلهنا الطيب الذي قال : « أنا أرعى غنمي وأربضها ‏...‏ وأطلب الضال ، وأسترد المطرود ، وأعصب الجريح وأجبر الكسير » ( حز ‏(.‏ ‎16‎ ، ‎15‎ : ‎34‎ وهو الذي يعطينا دون أن نطلب ، ويعطينا فوق ما نطلب . له المجد في محبته غير المحدودة .