Tarek El Mahaba Tarik El Mahabba -February Issue | Page 17

فلسفة حمار

كان يا مكان في أحد الإسطبلات مجموعة من الحمير وذات يوم أضرب حمار عن الطعام مدة من الزمن ، فضعف جسده وتهدّلت أذناه وكاد جسده يقع على الأرض من الوهن ، فأدرك الحمار الأب أن وضع ابنه يتدهور كل يوم ، وأراد أن يفهم منه سبب ذلك ، فأتاه على انفراد يستطلع حالته النفسية والصحية التي تزداد تدهورا ، فقال له : ما بك يا بني ؟؟ لقد أحضرت إليك أفضل أنواع الشعير .. وأنت لا تزال رافضا ً أن تأكل .. أخبرني ما بك ؟ ولماذا تفعل ذلك بنفسك ؟ هل أزعجك أحد ؟ رفع الحمار الابن رأسه وخاطب والده قائلا : نعم يا أبي .. إنهم البشر .. دُهش الأب الحمار وقال لأبنه الصغير : وما بهم البشر يا بني ؟ فقال له : إنهم يسخرون منّا نحن معشر الحمير .. فقال الأب وكيف ذلك ؟ قال الابن : ألا تراهم كلما قام أحدهم بفعل مشين يقولون له يا حمار ... وكلما قام أحد أبنائهم برذيلة يقولون له يا حمار ... أنحن حقا كذلك ؟ يصفون أغبياءهم بالحمير .. ونحن لسنا كذلك يا أبي .. إننا نعمل دون كلل أو ملل .. ونفهم وندرك .. ولنا مشاعر .. عندها ارتبك الحمار الأب ولم يعرف كيف يردّ‏ على تساؤلات صغيره وهو في هذه الحالة السيئة ، ولكن سرُ‏ عان ما حرّك أذنيه يمُ‏ نة ويسرة ثم بدأ يحاور ابنه محاولاً‏ إقناعه حسب منطق الحمير .. انظر يا بني إنهم معشر البشر خلقهم الله وفضّ‏ لهم على سائر المخلوقات لكنّهم أساءوا لأنفسهم كثيرا ً قبل أن يتوجهوا لنا نحن معشر الحمير بالإساءة .. فانظر مثلا ً .. هل رأيت حمارا ً خلال عمرك كله يسرق مال أخيه ؟؟ هل سمعت بذلك ؟ هل رأيت حماراً‏ ينهب طعام أخيه الحمار ؟ هل رأيت حماراً‏ يكنز الشعير بينما غيره جائع ؟ هل رأيت حماراً‏ يشتكي على أحد من أبناء جنسه ؟ هل رأيت حماراً‏ يعذب بقية الحمير ليس لشيء إلا لأنهم أضعف منه أو أنه لا يعجبه ما يقولون ؟ هل رأيت حماراً‏ عنصرياً‏ يعامل الآخرين من الحمير بعنصرية اللون والجنس واللغة ؟ هل رأيت حماراً‏ يشتم أخاه الحمار أو أحد أبنائه ؟ هل رأيت حماراً‏ يضرب زوجته وأولاده ؟ هل رأيت زوجات الحمير وبناتهم يتسكعون في الشوارع والمقاهي هل رأيت حماراً‏ يفرق بين أهله على أساس طائفي ؟ طبعا لم تسمع بمثل هذه الجرائم الإنسانية في عالم الحمير . نحن معشر الحمير نعرف من نحن ، خلقنا الله لحكمة ونحن نعمل بمقتضاها .. ولكن البشر هل يعرفون الحكمة من خلقهم ويعملون بمقتضاها جيدا ؟ لهذا يا ولدي أطلب منك أن تحّكم عقلك الحماري ،، وأطلب منك أن ترفع رأسي ورأس أمك عاليا ً ،، وتبقى كعهدي بك حمار ابن حمار ،، واتركهم يا ولدي يقولون ما يشاؤون .. فيكفينا فخراً‏ أننا حمير لا نكذب - لا نقتل - لا نسرق - لا نغتاب - لا نشتم لا نرقص فرحا ً وبيننا جريح وقتيل ،، أعجبت هذه الكلمات الحمار الابن فقام وراح يلتهم الشعير وهو يقول : نعم سأبقى كما عهدتني يا أبي .. سأبقى أفتخر أنني حمار ابن حمار
17