Tarek El Mahaba Tarik El Mahabba -February Issue | Page 19

قصة آعجبتنى

حكاية حقيقية ملبن يا راهب يروى أحد الرهبان المتوحدين :
» كنت في أحد أيام شهر مايو الماضي , استيقظت كالعادة في الوقت المحدد ككل يوم , كل شئ على ما يرام , صليت صلوات الصباح , ثم بعد أن انتهيت منها خرجت خارج المغارة , أتأمل يد الله في مشهد الشروق , بقيت هكذا لمدة ساعة , ثم دخلت بعدها ثانية إلى مغارتي للقراءة , و قلبي ملئ بمشاعر تكفيني طيلة اليوم . جلست على الأرض و أسندت ظهري إلى الحائط , ثم مددت يدي لألتقط كتابي المقدس , و إذ بشئ يحدث لم يعرض لي منذ عشرات السنين , شعرت بطعم غريب في حلقي .. ما هذا يا ربي ؟؟ حاولت ألا أفكر في الأمر و أن أكمل يومي كما يسير , و لكني تذكرت هذا الطعم , نعم إنه طعم » الملبن « . تعجبت كثيراً‏ فأنا لم أذق هذا النوع من الحلوى منذ ما يقرب من أربعين سنة , حاولت ألا أعير الأمر اهتماما , و بدأت أقرأ في الكتاب المقدس , و لكن لم تمر إلا لحيظات قليلة و إذ بي أفقد تركيزي و شهوة الملبن تشتعل داخل حلقي , أغلقت كتابي و وضعته في مكانه و قمت أصنع ميطانيات أمام الله أطلب منه أن يسري هذا اليوم على خير , ثم أنهيت الميطانيات و طعم الملبن لا يزال في فمي .. فخرجت خارج القلاية أحدث نفسي :
» ملبن يا راهب !! ملبن يا متوحد ؟؟ أجئت إلى البرية هنا لتبحث عن الملبن ؟!‏ إذا كان الرهبان في الدير لا يرونه , أتطلبه أنت هنا في الصحراء يا متوحد ؟!‏ ملبن يا عجوز !!! » دخلت أيضاً‏ إلى قلايتي و أغلقت بابي عليّ‏ ,
صرت أتضرع إلى الله أن يرحمني و يتحنن عليّ‏ , و أسكب أمامه نفسي حيناً‏ بالميطانيات و حيناً‏ بالدموع و حيناً‏ آخر بقرع الصدر , أطلب منه ألا تتسلط عليٍّ‏ هذه الشهوة , و ألا تكون نهاية أيامي معه بشهوة مثل هذه . صرت هكذا طيلة هذا اليوم , و أنا في حال غير مستقرة , إلى أن غادرت الشمس سماء الصحراء الواسعة , و بدأت تعطي شفق الغروب الأخير ... و إذ بي أجد باب القلاية يقرع ........
رشمت ذاتي بعلامة الصليب ثم ذهبت لأسأل عن الطارق , فرد ع َّلي : » أغابي يا أبي » فقلت : » أغابي » فقال : » أنا إبنك أبونا القس فلان , هل تصنع معي محبة » ففتحت له و وجدته فعلا أبونا » س « و قد كان متعبا جدا , فسألته عما أتى به إلى هنا , فأخبرني أن الطبيب أوصاه أن يمشي كثيرا كل يوم لأنه مصاب بمرض السمنة , فأخذ يتمشى في الصحراء حتى ضل الطريق و إذا به عند باب مغارتي . رحبت به و استقبلته عندي هذه الليلة , و صلينا سويا ثم نمنا , و في الغد استيقظنا و صلينا أيضا حتى شروق الشمس , فاستأذنني أن يغادر , فقلت له : » لابد أن أوصلك حتى لا تضل الطريق ثانية »
, رفض كثيرا , و لكني صممت على ذلك . مشينا سويا في الصحراء حتى وصلنا على بعد أمتار قليلة من أسوار الدير , فقبلنا بعضنا البعض و شكرني كثيرا , ثم ابتسم لي , و أخرج لي من جيبه شئ مستطيل ملفوف في ورقة و قال لي : » اتفضل يا ابونا دي من إيد المسيح و اللي من إيد المسيح ماترفضوش » , فشكرته وودعته , ثم رجعت إلى قلايتي . عدت إلى القلاية , و صليت صلاة الساعة التاسعة في وقتها المعتاد , ثم جلست لأقرأ , و
بعد أن انتهيت من قراءتي جاءت عيني على الورقة التي أعطاني إياها أبونا .. أخذت الورقة ثم فتحتها ... و إذ بها قطعة من الملبن !!!!!!!!!!! نظرت إليها و أنا أتعجب مما كنت فيه بالأمس , حيث لم تعد في بالي هذه الشهوة التي كدرت عليّ‏ يومي الماضي , و تذكرت أني حتى في صغري لم يكن يستهويني هذا النوع من الحلوى . ضحكت كثيرا , و تذكرت كلمة أبونا لي » دي من إيد المسيح » وضعت قطعة الملبن حتى آكلها وقت المساء , و صرت أتأمل طيلة هذا اليوم في حنو الله علينا و كيف أنه لا يهتم بنا فقط بل يدللنا أيضا » على الأيدي تحملون و على الركبتين تدللون » عجيب هو الله في حنوه .... فهو لا يعطينا الأشياء الضرورية التي نحتاجها فقط بل حتى الأشياء التي قد تبدو غير ضرورية و صغيرة في نظر الناس . إن تأملت قليلا فيه سوف لا تجده إله الملايين و المليارات من البشر , بل إلهك الشخصي الذي يهتم بكل تفاصيل حياتك , و يعطيك كل ما تحتاج و لكن علي شرط ألا يصارعه في قلبك احتياجك هذا .
» أطلبوا أولا ملكوت الله و بره و كل هذه تزاد لكم
19