Tarek El Mahaba October Issue | Page 5

ما هى الروح ؟

نيافه الانبا موسي

5
الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان ، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله ، وبالإيمانيات ، وعالم الروح . فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد ومع الحيوان فى الجسد والنفس ، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح ، لذلك يقول البعض عن الإنسان أنه حيوان عاقل ومتدين . ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين ، حتى وإن ضل الطريق الصحيح ، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق ، والخير ، والثواب والعقاب ، والخلود . وما شابه ذلك من عالم - الماورائيات - أى ماذا وراء المادة ؟ وماذا وراء الموت ؟ وماذا وراء الزمن ؟ وماذا وراء الطبيعة ؟ وأحياناً‏ يسمونه عالم - الميتافيزيقيا - أى ما وراء الطبيعة المحسوسة ! لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة ، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط ، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة ، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة ، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة والتماثيل . ولكن هذه جميعاً‏ كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان ‏..‏ وقد أختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان ، ومع ذلك كثيراً‏ ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان . ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد ، وقدم له العبادة والسجود ، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية ، وكيف أنه جل إسمه - روح بسيط خالد خالق ، يرعى الكون بحبه ، ويشرق عليه بشمسه : ويضمه إليه بحنانه الفائق . ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان ، إلا أنها ما أنفصلت قطعن العقل عنصر التفكير ‏..‏ لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة ، عقولاً‏ استنارت بالروح القدس ، واستشرقت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة ، حتى أستحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية . إن الروح - أيها القارئ الحبيب هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله ، ويوحدنا به ، فأحذر أن يضمر هذا العنصر فى حياتك : حينما تهمل خلاص نفسك ، أو حينما تجعل
المادة أو الغرائز تتحكم فيك .
فأنت مخلوق إلهى ، فوق المادة والتراب ، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية ، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى .
‎2‎‏-‏ وسائل أشباع الروح
أ-‏ الصلاة : الصلاة هى الحبل السرِ‏ ى - بكسر السين - الذى من خلاله نتصل بالرب سراً‏ ولا رقيب . وهى أيضاً‏ الحبل السرُ‏ ى - بضم السين - الذى من خلاله ننال الغذاء الروحى من السماء لحظة بلحظة ، كالجنين فى بطن أمه . والصلاة تفتح عالم الله علينا ، كما تفتح عالمنا على حبه وفعله الإلهى ، لذلك فهى الفرصة الأساسية التى فيها يشكلنا الله ، ويبنينا ، ويقدسنا ويشبعنا .
+ « الصلاة هى رفع العقل إلى الله » ( الأب يوحنا الدمشقى )
« الصلاة سلاح عظيم وكنز لا يفرغ ، غنى لا يسقط أبداً‏ » ( القديس يوحنا ذهبى الفم ‏(.‏
+ « حينما تصلى ألا تتحدث مع الله ؟ أى امتياز هذا » ( القديس يوحنا ذهبى الفم ‏(.‏ ب-‏ الكتاب المقدس :
« بدون القراءة فى الكتب الإلهية ، لا يمكن للذهن أن يدنو من الله » ( مارأسحق السريانى ‏(.‏
` « فى ناموسه يلهج نهاراً‏ وليلاً‏ » ( مز ‏(.‏ ‎2:1‎
` « والهذيذ فى الشريعة لا يعنى قراءة كلماتها أو تلاوتها ، بل يتسع إلى تتميم أحكامها بالتقوى » ( الأسقف ايلارى ‏(.‏ ` « ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح » ( مارأسحق السريانى ‏(.‏
« ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ‏«)‏ مت ‏(.‏ ‎4:4‎
« وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى لفرح ولبهجة قلبى » ( أر ‏(.‏ ‎16:15‎ الكتاب المقدس هو بالحقيقة مائدة دسمة ، فيها تشبع أرواحنا وحواسنا ، وتستريح نفوسنا ، فقراءة الكتاب بإنتظام وحرارة قدام المسيح ، فإذا كان السيد المسيح هو الكلمة الذاتية ، فالكتاب هو الكلمة المكتوبة لخلاصنا ، أنه ببساطة : السيد المسيح متكلماً‏ ‏!!‏ ج-‏ الأفخارستيا : لقد أعطانا الرب جسده ودمه ذبيحة يومية على مائدته المقدسة ، لكى كل من يأكل منه يحيا إلى الأبد . إنه - خبز الحياة النازل من السماء - واهباً‏ حياة للعالم ، « مأكل حق ومشرب حق ‏«.‏
+ « من يأكلنى يحيا بى ‏«،‏ « يثبت فىّ‏ وأنا فيه » ( يو ‎48:6‎‏-‏ ‏(.‏ ‎57‎
من هنا تدعونا الكنيسة إلى الأغتذاء اليومى من هذا السر المبارك ، الذى من خلاله نتحد :
أ-‏ بالسيد المسيح . ب-‏ بالقديسين . ج-‏ بأخوتنا المؤمنين . د-‏ ونصلى من أجل العالم كله .
د-‏ القراءات الروحية : القراءة فى الكتب الروحية أساسية للشبع الروحى ، لذلك أوصى الآباء القديسون أولادهم بها ‏...‏ أنت مخلوق إلهى ، فوق التراب والمادة ، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية ، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى .
` « أتعب نفسك فى قراءة الكتب ، فهى تخلصك من النجاسة » ( القديس الأنبا أنطونيوس ‏(.‏
` « كن مداوماً‏ ، لذكر سير القديسين ، كيما تأكلك غيرة أعمالهم » ( القديس موسى الأسود ‏(.‏
` « كتبى هى شكل ( سيرة ) الذين كانوا قبلى ، أما إن أردت القراءة ففى كلام الله أقرأ » ( القديس أنطونيوس ‏(.‏ لهذا أوصى الآباء بأن نكرم القراءة كما نكرم الصلاة ، حيث أنهما تكملان إحداهما الأخرى ‏...‏ ونحن نشكر الله من أجل فيض الكتب والمجلات والنبذات الروحية التى أعطاها الرب لنا فى هذه الأيام . ه-‏ الإجتماعات الروحية : يوصينا الرسول بولس أن لا نترك إجتماعاتنا ، بل أن نحرص على الحضور ، لما فى ذلك من بركة روحية وتعليمية هامة ‏..‏
« غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة » ( عب ‏(..‏ ‎25:10‎ « حينما تجتمعون معاً‏ ليس هو لأجل عشاء الرب » ( ‎1‎كو
‏(،‏ ‎20:11‎ يقصد الأغابى التى تسبق القداس الإلهى ، أى العشاء معاً‏ فى المساء ، قبل تسبيح نصف الليل ‏..‏
« متى إجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم ‏..«‏ ( الإجتماعات التعليمية ‏(..‏ ( ‎1‎كو ‏(.‏ ‎26:14‎
والإجتماعات الروحية تحقق أهدافاً‏ كثيرة ‏...‏ فهى مثلاً‏ : أ-‏ تعطى التعاليم الأساسية للخلاص ‏..‏ « هلك شعبى من عدم المعرفة » ( هو ‏(.‏ ‎6:4‎ ب-‏ تشبع نفوسنا روحياً‏ بكلمة الله . ج-‏ تحمينا من إنحرافات الفكر وحيل الشيطان . د-‏ ترد على أية مطاعن فى إيماننا المسيحى القويم .