ما هى الروح ؟
نيافه الانبا موسي
5
الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان ، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله ، وبالإيمانيات ، وعالم الروح . فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد ومع الحيوان فى الجسد والنفس ، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح ، لذلك يقول البعض عن الإنسان أنه حيوان عاقل ومتدين . ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين ، حتى وإن ضل الطريق الصحيح ، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق ، والخير ، والثواب والعقاب ، والخلود . وما شابه ذلك من عالم - الماورائيات - أى ماذا وراء المادة ؟ وماذا وراء الموت ؟ وماذا وراء الزمن ؟ وماذا وراء الطبيعة ؟ وأحياناً يسمونه عالم - الميتافيزيقيا - أى ما وراء الطبيعة المحسوسة ! لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة ، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط ، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة ، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة ، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة والتماثيل . ولكن هذه جميعاً كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان .. وقد أختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان ، ومع ذلك كثيراً ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان . ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد ، وقدم له العبادة والسجود ، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية ، وكيف أنه جل إسمه - روح بسيط خالد خالق ، يرعى الكون بحبه ، ويشرق عليه بشمسه : ويضمه إليه بحنانه الفائق . ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان ، إلا أنها ما أنفصلت قطعن العقل عنصر التفكير .. لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة ، عقولاً استنارت بالروح القدس ، واستشرقت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة ، حتى أستحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية . إن الروح - أيها القارئ الحبيب هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله ، ويوحدنا به ، فأحذر أن يضمر هذا العنصر فى حياتك : حينما تهمل خلاص نفسك ، أو حينما تجعل
المادة أو الغرائز تتحكم فيك .
فأنت مخلوق إلهى ، فوق المادة والتراب ، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية ، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى .
2- وسائل أشباع الروح
أ- الصلاة : الصلاة هى الحبل السرِ ى - بكسر السين - الذى من خلاله نتصل بالرب سراً ولا رقيب . وهى أيضاً الحبل السرُ ى - بضم السين - الذى من خلاله ننال الغذاء الروحى من السماء لحظة بلحظة ، كالجنين فى بطن أمه . والصلاة تفتح عالم الله علينا ، كما تفتح عالمنا على حبه وفعله الإلهى ، لذلك فهى الفرصة الأساسية التى فيها يشكلنا الله ، ويبنينا ، ويقدسنا ويشبعنا .
+ « الصلاة هى رفع العقل إلى الله » ( الأب يوحنا الدمشقى )
« الصلاة سلاح عظيم وكنز لا يفرغ ، غنى لا يسقط أبداً » ( القديس يوحنا ذهبى الفم (.
+ « حينما تصلى ألا تتحدث مع الله ؟ أى امتياز هذا » ( القديس يوحنا ذهبى الفم (. ب- الكتاب المقدس :
« بدون القراءة فى الكتب الإلهية ، لا يمكن للذهن أن يدنو من الله » ( مارأسحق السريانى (.
` « فى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً » ( مز (. 2:1
` « والهذيذ فى الشريعة لا يعنى قراءة كلماتها أو تلاوتها ، بل يتسع إلى تتميم أحكامها بالتقوى » ( الأسقف ايلارى (. ` « ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح » ( مارأسحق السريانى (.
« ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله «) مت (. 4:4
« وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى لفرح ولبهجة قلبى » ( أر (. 16:15 الكتاب المقدس هو بالحقيقة مائدة دسمة ، فيها تشبع أرواحنا وحواسنا ، وتستريح نفوسنا ، فقراءة الكتاب بإنتظام وحرارة قدام المسيح ، فإذا كان السيد المسيح هو الكلمة الذاتية ، فالكتاب هو الكلمة المكتوبة لخلاصنا ، أنه ببساطة : السيد المسيح متكلماً !! ج- الأفخارستيا : لقد أعطانا الرب جسده ودمه ذبيحة يومية على مائدته المقدسة ، لكى كل من يأكل منه يحيا إلى الأبد . إنه - خبز الحياة النازل من السماء - واهباً حياة للعالم ، « مأكل حق ومشرب حق «.
+ « من يأكلنى يحيا بى «، « يثبت فىّ وأنا فيه » ( يو 48:6- (. 57
من هنا تدعونا الكنيسة إلى الأغتذاء اليومى من هذا السر المبارك ، الذى من خلاله نتحد :
أ- بالسيد المسيح . ب- بالقديسين . ج- بأخوتنا المؤمنين . د- ونصلى من أجل العالم كله .
د- القراءات الروحية : القراءة فى الكتب الروحية أساسية للشبع الروحى ، لذلك أوصى الآباء القديسون أولادهم بها ... أنت مخلوق إلهى ، فوق التراب والمادة ، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية ، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى .
` « أتعب نفسك فى قراءة الكتب ، فهى تخلصك من النجاسة » ( القديس الأنبا أنطونيوس (.
` « كن مداوماً ، لذكر سير القديسين ، كيما تأكلك غيرة أعمالهم » ( القديس موسى الأسود (.
` « كتبى هى شكل ( سيرة ) الذين كانوا قبلى ، أما إن أردت القراءة ففى كلام الله أقرأ » ( القديس أنطونيوس (. لهذا أوصى الآباء بأن نكرم القراءة كما نكرم الصلاة ، حيث أنهما تكملان إحداهما الأخرى ... ونحن نشكر الله من أجل فيض الكتب والمجلات والنبذات الروحية التى أعطاها الرب لنا فى هذه الأيام . ه- الإجتماعات الروحية : يوصينا الرسول بولس أن لا نترك إجتماعاتنا ، بل أن نحرص على الحضور ، لما فى ذلك من بركة روحية وتعليمية هامة ..
« غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة » ( عب (.. 25:10 « حينما تجتمعون معاً ليس هو لأجل عشاء الرب » ( 1كو
(، 20:11 يقصد الأغابى التى تسبق القداس الإلهى ، أى العشاء معاً فى المساء ، قبل تسبيح نصف الليل ..
« متى إجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم ..« ( الإجتماعات التعليمية (.. ( 1كو (. 26:14
والإجتماعات الروحية تحقق أهدافاً كثيرة ... فهى مثلاً : أ- تعطى التعاليم الأساسية للخلاص .. « هلك شعبى من عدم المعرفة » ( هو (. 6:4 ب- تشبع نفوسنا روحياً بكلمة الله . ج- تحمينا من إنحرافات الفكر وحيل الشيطان . د- ترد على أية مطاعن فى إيماننا المسيحى القويم .