Tarek El Mahaba March Issue | Page 8

البابا كيرلس السادس

البابا كيرلس السادس

« لأجلهم أقدس أنا ذاتي ‏«.‏ فحياته هو والراهب مينا كانت هي وهو البابا كيرلس في ملبسه الخشن وشاله المعروف وحتى منديله السميك ومأكله البسيط فلم يكن يأكل إلا مرتين في اليوم الأولى الساعة الثانية والنصف ظهرًا والثانية الساعة التاسعة مساءًا ، وفي الأصوام مرة واحدة بعد قداسه الحبري الذي ينتهي بعد الساعة الخامسة مساءًا وفي سهره وصلواته كذلك فكان يصحوا من نومه قبل الساعة الرابعة من فجر كل يوم ليؤدي صلوات التسبحة ويقيم قداس الصباح وبعدها يستقبل أولاده ‏..‏ وهكذا يقضي نهار يومه في خدمة شعبه وفي الوحدة حبيس
قلايته في التأمل في الأسفار الإلهية ‏..‏ لا يعرف ساعة للراحة حتى يحين ميعاد صلاة العشية فيتجه إلى الكنيسة تتبعه الجموع في حب وخشوع .
فعلا كان مثال الراعي الصالح للتعليم لا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق والقدوة الصالحة . إنه عينة حقيقية من كنيسة أجدادنا القديسين كنيسة الصلاة وتقديس الذات أكثر منها كنيسة المنابر والوعظ الكثير ‏...‏ فهو رجل الصلاة نعم إنه رجل الصلاة الذي أدرك ما في الصلاة من قوة فعالة فكانت سلاحه البتّار الذي بواسطتها استطاع أن يتغلب على
أعضل المشكلات التي كانت تقابله .
وفوق ذلك فقد حباه الله موهبة الدموع التي كانت تنهمر من مآقيه طالما كان مصليًا وموهبة الدموع هذه لا تُعطى إلا لِمُنْسَ‏ حِ‏ قي القلوب ، فكان يسكب نفسه انسكابًا أمام الله ويذوب في حضرته ، فإذا ما كنت معه مصليًا أحسست أنك في السماء وفي شركة عميقة مع الله .
كثيرا ما كان يزور الكنائس المختلفة فجر أي يوم حيث يفاجئهم ويرى العاملين منهم والخاملين في كرم الرب فكان معلما صامتا مقدمًا نفسه في كل شيء قدوة مقدمًا في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصً‏ ا .
وهذه الحياة المقدسة وهذه الروحانية العالية التي لأبينا البار فقد ألهبت قلوب الرعاة والرعية فحذوا حذوه وفتحت الكنائس وأقيمت الصلوات وامتلأت البيع بالعابدين المصلين بالروح والحق . وأحب الشعب باباه من كل قلبه وأصبح كل فرد يشعر بأنه ليس مجرد عضو في الكنيسة بل من خاصته . وأصبحنا نرى في حضرته مريضا يقصده لنوال نعمة الشفاء ، مكروبا وشاكيا حاله طالِبًا للصلاة من أجله ليخفف الرب كربه . وقد وهبه الله نعمة الشفافية الروحية العجيبة فكثيرًا ما كان يجيب صاحب الطلب بما يريد أن يحدثه عنه ويطمئنه أو ينصحه بما يجب أن يفعله في أسلوب وديع ، حتى يقف صاحب الطلب مبهوتًا شاعرًا برهبة أمام رجل الله كاشف الأسرار .
وهكذا يفتح بابه يوميًا لاستقبال أبناءه فقيرهم قبل غنيّهم ، صغيرهم قبل كبيرهم ويخرج الجميع من عنده والبهجة تشع من وجوههم شاكرين تغمرهم راحة نفسية لما يلمسونه من غبطته من طول أناه وسعة صدر تثير فيهم عاطفة الأبوة الحقيقية الصادقة .
8
اسمه عازر ، ولد ببلدة طوخ النصارى بدمنهور في مصر في الجمعة 2 أغسطس سنة ، ‎1902‎ ووالده هو يوسف عطا المحب للكنيسة وناسخ كتبها ومنقحها المتفاني في خدمة أمه الأرثوذكسية حريصً‏ ا على حِ‏ فظ تراثها .
ابتدأ عازر منذ الطفولة المبكرة حبه للكهنوت ورجال الكهنوت فكان ينام على حجر الرهبان ‏..‏ فكان من نصيبهم ولا سيما وأن بلدة طوخ هذه كانت وقفٌ‏ على دير البراموس في ذلك الوقت ولذلك اعتاد الرهبان زيارة منزل والده لِما عُرِفَ‏ عنه من حُب وتضلع في طقوس الكنيسة .
بدأ حياة فضلى تشتاق نفوسنا لها متشبهًا بجيش شهدائنا الأقباط وآباء كنيستنا حماة الإيان الذين ارسوا مبادئ الإيان المسيحي للعالم أجمع المبنية على دراستهم العميقة في الكتاب المقدس فكان عازر مُفْلِحًا في جميع طرقه والرب معه ؛ لأنه بِقَدر ما كان ينجح روحيًا كان ينجح علميًا . إذ بعد أن حصل على البكالوريا ، عمل في إحدى شركات الملاحة بالإسكندرية واسمها « كوك شيبينج » Cook
Shipping سنة ‎1921‎ فكان مثال للأمانة والإخلاص ولم يعطله عمله عن دراسة الكتب المقدسة والطقسية والتفاسير والقوانين الكنسيّة تحت إرشاد بعض الكهنة الغيورين .
ظل هكذا خمس سنوات يعمل ويجاهد في حياة نسكية كاملة ، فعاش راهبً‏ زاهدًا في بيته وفي عمله دون أن يشعر به احد ، فكان ينام على الأرض بجوار فراشه ويترك طعامه مكتفيًا بكسرة صغيرة وقليلاً‏ من الملح .
باباويته تميز عهد قداسته بانتعاش الإيان ونمو القيم الروحية ولا شك أن ذلك راجع لان غبطته إنما وضع في قلبه أن يقدس ذاته من أجلهم ‏-أي من أجل رعيته-‏ على مثال معلمه الذي قال :