Tarek El Mahaba March Issue | Page 3

الصوم والرياء قداسة البابا تواضروس الثانى

3
يطلق البعض على فترة الصوم المقدس موسم التوبة و لكن التوبة هى في كل وقت وكل حين ولكن فترة الصوم المقدس فترة لا يعادلها فترة في أيام السنة كلها تحتاج مِنَّا لاستعداد ، وهذا الاستعداد هو : إستعداد زمني ، وإستعداد قلبي ، وإستعداد جسدي . ولكن المهم أن كيان الإنسان يستعد لهذه الرحلة المهمة جداً‏ التي تأتي مرَّة واحدة في كل عام . وأصحاح ‎58‎ من سفر إشعياء يتحدَّ‏ ث عن الصوم المقدس : فترة الصوم هى فترة مهمة يكون فيها الإنسان صادقاً‏ مع نفسه لأنه خلال العام وبحسب حياة الإنسان كثير ما يكون الإنسان غير واضح مع نفسه ، وكأنه يرتدي قناع يواجه به الناس ، ويتكلَّم به معهم ، أخطر ما يواجه الإنسان السائر فى طريق الرب أن يُعانى من خطية الرياء أو ما نسميه : بشكلية العبادة . الصوم هو ممارسه تعبُّدية ، ولكن يجب أن تخلو من الرياء ، فالرياء خطية خفية تتسلل إلى نفوس المُتعبِّدين ففي هذا الأصحاح يشرح لنا كيف يُ‏ كن أن يكون الإنسان واقع فى هذه الخطية دون أن يدري ، فمثلاً‏ فى آيات الأصحاح العدد يقول : ” إياي يطلبون يوماً‏ فيوماً‏ ‏“،‏ ولكن هذه الصلاة الظاهرة هى من الشفتين أو من اللسان ، ولا تتعدَّى ذلك فالأعماق كما هى لا تتغيرَّ‏ ، لذلك عندما يترك صلواته تجده يتصرَّف تصرفات غير مقبولة وغير لائقة ولا تتفق مع تصرفات الصلاة التى عاشها فى صلاة مستمرة ولكن مُخادعة للإنسان .
مظهر آخر من مظاهر الرياء ” المعرفة العقلانية ‏“:‏ تشعر وأنت جالس مع الشخص أنه موسوعة ، ولكن ليست موسوعة إتضاع ، ولكن موسوعة كبرياء يفتخر بذاته وبما حصله من معارف ، ونقرأ في ( متى ‏(:‏ ‎23‎ ” ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ‏”،‏ وكانت طائفة الكتبة والفريسيون هم من قمة طوائف اليهود ، فكلمة “ فريسي ” معناها : “ مفرز ‏”،‏ وعلى الكتبة أنهم أشخاص مُتميِّزون جداً‏ ( الكتبة هم الناسخون ‏(،‏ ويقول عنهم الكتاب : “ يسرون بمعرفة طُرقي كأمة ‏”؟
الأمر الثالث فى هذا الرياء هو اظهار الغيرة ونسميه أحياناً‏ “ ناموسي ‏”:‏ ناموسي بمعنى حرفى ، و الحياة المسيحية عندما تقرأها تجدها تعتمد على الحياة القلبية و تعتمد على الروح ،
ولا تعتمد على الحرف ، ومَن يحيا بالحرف يتأخَّر ، ومَن يعيش بالناموس وفكر الناموس الجاف دون روحه يكون متأخِّر كثيراً‏ ، لذلك قال ربنا يسوع المسيح : ” ما جئت لأنقض بل لأكمل ‏“،‏ فالمقصود هو أن يكمل الفهم ، فتقرأ العهد القديم بروح العهد الجديد ، مثل ما تقرأ رسالة العبرانيين فهى رسالة فى العهد الجديد ، ولكنها تحكي كيف نفهم العهد القديم بروح العهد الجديد . صورة رابعة من صور الرياء أن الإنسان يتظاهر أنه قريب من اللَّه :
” يسرون بالتقرُّب الى اللَّه “ من خلال طقوس وممارسات مُعيَّنة يتظاهر أنه قريب من اللَّه وحقيقته من الداخل غير ذلك ، تصور إنسان يقضي يومه صوماً‏ ويُ‏ ارس ممارسات ويأتي بعد فترة الصوم ( في نفس يوم الصوم ) غضبه يظهر أو سلوكه ينحرف ، فترة الصوم هى فترة لكي ما تساعد الإنسان في نموه الروحي . ويأتي السؤال : لماذا الصوم الذى تحدَّ‏ ث عنه الأصحاح كان مرفوضاً‏ ؟؟ هناك ثلاث أسباب واضحة في العدد ( 3 4 ‏(:‏ 5 أوَّل شيء : أن هذا الصوم كان بلا ضبط : هو صوم يسر صاحبه لا يسر اللَّه ، فهو صوم غير منضبط لا يسير بنظام هو أحياناً‏ يستعرض إمكانياته وقدراته . الرفض الثاني : أن هذا الصوم كان بلا صمت : الصوم ليس عن الطعام فقط بل أيضاً‏ عن الكلام ، فهذا الصوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغير ، وفيه إدانة للآخرين . أيضاً‏ هذا الصوم مرفوض لأن هذا الصوم بلا تذلل : هو شكل وبلا جوهر فهو مُجرَّد منظر داخلي ، والكنيسة ترتب قداسات لأوقات مُتأخِّرة لتُساعد الإنسان ، في هذا كوسيلة تساعدك فى سلامة الحياة الروحية . كيف نصوم ، وكيف ننال بركات هذا الصوم ؟؟ أول بركة ان هذا الصوم فيه استجابة للصلوات لأنك عندما تحيا جو الصوم تشعر بالانسحاق والخشوع وتخرج صلواتك من داخلك عميقة وتدخل فيها روح الإيان ، صلوات مرفوعة من قلب نقيٍّ‏ . بركة أخرى من بركات هذا الصوم : أن يصير الرب لذة للإنسان ، فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحوّل لذة الطعام فى داخلك إلى لذّة للرب ، ويكون المسيح هو لذتك ، وكما يقول مُعلِّمنا داود النبي في أحد مزاميره : ” تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك ‏“.‏ بركة اخرى من بركات الصوم : أن الإنسان يشعر بارتفاعه ، وكما يقول داود النبي : ليتَ‏ لي جناحاً‏ كالحمامة فأطير ، وأستريح ، يرتفع فوق الماديات ، وحتى فوق احتياجات الجسد ، ويشعر أن رباطات الأرض تصير ضعيفة ، ويشعر أنه يقترب من السماء ويحيا بهذه الروح . أيضاً‏ من بركات الصوم : أن الانسان ينال الصحة الجسدية ، تقريباً‏ ثلث سكان العالم نباتيون ، والطعام النباتي ينح
الإنسان شكل من الطاقة الهادئة ، فلا يكون الطعام مُثير فى جسده أو فى حياته فيُعطيه صحة جسدية ، ويقول في الأصحاح : ” تنبت صحتك سريعاً‏ ‏“.‏ أيضاً‏ في الصوم ينال الإنسان استنارة ، ولا أقصد للعين الجسدية ، ولكن العين القلبية ، عندما يقرأ الإنجيل يفهم أكثر ، وعندما يُشارِك في التسبيح يعيش أكثر ، وعندما يُ‏ ارس مطانيات يتمتَّع أكثر . لذلك أدعوك فى فترة الصوم القادم إقرأ هذا الأصحاح يومياً‏ ، وقِس نفسك عليه كتدريب روحي ( أصحاح ‎58‎ من سفر إشعياء النبي ‏(.‏ فى فترة الصوم المقدس تُقدِّ‏ م لنا ثلاثة أنواع من الغذاء : غذاء روحي ، وغذاء ذهني ، وغذاء نُسكي :
العذاء الروحي :
الذى تُقدِّمه الكنيسة هو كل شكل العبادة ، وممارسة الأسرار ، جميل أن تتقابل مع أب إعترافك قبل الصوم ، وتضع خطة للصوم ، ولا تتكاسل في تنفيذها .
الغذاء الذهني :
الذي يعتمد أساساً‏ على القراءات الإنجيلية ، والكنيسة تُعلِّمنا في فترة الصوم المُقدَّس أن تقرأ النبوات ، والكنيسة تقرأ النبوات في باكر ، ويُتاح لك أن تقرأ سفراً‏ من أسفار النبوات ، ويُ‏ كنك أن تأخذ سفراً‏ واحداً‏ مثل إشعياء ، إرمياء . أو تأخذ مجموعة أسفار مثل أسفار الأنبياء الصغار ، لكن يجب أن تقرأ يومياً‏ ، وليست قراءة فقط بل إدرس وافهم وعيش ، و قراءة النبوات مُفيدة جداً‏ ، وتكشف مقاصد اللَّه في حياتك .
الغذاء النُّسكي :
نسكياتك هامة جداً‏ في الصوم ، الانقطاع شيء مُهم لتقوية الإرادة ، فأنت أمام الطعام مع أنه مُتاح تتوقف عنه قليلاً‏ ، أيضاً‏ الطعام النباتي هو طعام هادئ الطاقة وهو طعام صحي وطعام مفيد للإنسان . أيضاً‏ المطانيات ( سجدات التوبة ) من القلب وليس بالجسد ، وهى مرتبطة بالصلوات فيها الصلاة القصيرة : يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ ، وانت تسجد وترشم نفسك بعلامة الصليب ممكن تبتدأ ب‎12‎ ميطانية في أول يوم ، وتزداد كل يوم مع الصوم وتُقدِّمها بروح الصلاة ، وتُقدِّمها طول النهار أو في آخر الليل ، وتُقدِّم هذه الميطانيات كوسيلة مساعدة لتركيز الذهن ، فيها تعب وهذا التعب يُذكِّرك بأتعاب المسيح من أجلك . أيضا فترات اعتكاف ويكثر منها ويستفيد منها كفترات تأمُّل وقراءة وصلاة أو ترنيم وتسبيح . فترة الصوم يا إخوتى يحكمها الآية التي تقول : ” كُلّ‏ مَن يُجاهِدُ‏ يَضْ‏ بِطُ‏ نَفْسَ‏ هُ‏ في كُلِّ‏ شيءٍ‏ “ ( ‎1‎كو ‏(،‏ ‎25‎ : 9 وأيضاً‏ فترة الصوم ينطبق عليها الآية : ” الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج “ ( مز ‏(،‏ 5 : ‎126‎ الذين يزرعون بدموع التوبة فى فترة الصوم يحصدون بالابتهاج في القيامة .