Tarek El Mahaba March Issue | Page 11

والصوم الكبير أقدس أصوام السنة .
والصوم الكبير أقدس أصوام السنة .
‎11‎
ويكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي ، لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه . وهو صوم من الدرجة الأولي ، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات .
هو فترة تخزين روحي للعام كله .
فالذي لا يستفيد روحيًا منالصوم الكبير ، من الصعب أن يستفيد من أيام أخري أقل روحانية . والذي يقضي أيامالصوم الكبير باستهانة ، من الصعب عليه يدقق في باقي أيام السنة . حاول أن تستفيد من هذا الصوم في ألحانه وقراءاته وطقوسه وروحياته الخاصة وقداساته التي تقام بعد الظهر .
كان الآباء يتخذون الصوم الكبير مجالاً‏ للوعظ .
لأن الناس يكونون خلاله في حالة روحية مستعدة لقبول الكلمة . حقًا عن الوعظ مرتب في كل أيام السنة . ولكن عظات الصوم الكبير لها عمق أكثر . وهكذا فإن كثيرًا من كتب القديس يوحنا ذهبي الفم ، كانت عظات له ألقاها في الصوم الكبير ، وكذلك كثير من كتب القديس أوغسطينوس . بل أن الكنيسة كانت تجعل أيام الصوم الكبير فترة لإعداد المقبلين للإيان .
فتعدهم بالوعظ في الصوم الكبير ليتقبلوا نعمة المعمودية .
فكانت تقام فصول للموعوظين خلال هذا الصوم تلقي فيها عليهم عظات لتعليمهم قواعد الإيان وتثبيتهم فيها . وهكذا ينالون العماد في يوم أحد التناصير ، لكي يعيدوا مع المؤمنين الأحد التالي أحد الشعانين ويشتركون معهم في صلوات البصخة وأفراح عيد القيامة . ولاهتمام الكنيسة بالصوم الكبير جعلت له طقسً‏ ا خاصً‏ ا .
فله ألحان خاصة ، فترة إنقطاع أكبر . وله قراءات خاصة ، ومردات خاصة ، وطقس خاص في رفع بخور باكر ، ومطانيات metanoia خاصة في القداس قبل تحليل الخدام نقول فيها ( اكلينومين تاغوناطا ‏(.‏ ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس katameooc خاص . كما انه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم . وهكذا يكون له جو روحي .
وقد عَيّنت الكنيسة له أسبوعًا تمهيديًا يسبقه . حتى لا يدخل الناس إلي الأربعين المقدسة مباشرة بدون استعداد . وإنما هذا الأسبوع السابق ، يهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس ، وفي نفس الوقت يعوض عن إفطارنا في السبوت التي لا يجوز الانقطاع فيها .
بل الكنيسة مهدت له أيضا بصوم يونان .
فصوم يونان ، أو صوم نينوي يسبق الصوم الكبير بأسبوعين ، ويكون بنفس الطقس تقريبًا وبنفس الألحان ، حتى يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويستعدون له بالتوبة التي هي جوهر صوم نينوي . وكما اهتمت الكنيسة بإعداد أولادها للصوم الكبير ، هكذا ينبغي علينا نحن أيضا أن نلاقيه بنفس الاهتمام .
وإن كان السيد المسيح قد صار هذا الصوم عنا ،
وهو في غير حاجة إلي الصوم ، فكم ينبغي أن نصوم نحن في مسيس الحاجة إلي الصوم لكي نكمل كل بر ، كما فعل المسيح . ومن اهتمام الكنيسة بهذا الصوم أنها أسمته الصوم الكبير
فهو الصوم الكبير في مدته ، والكبير في قدسيته .
إنه أكبر الأصوام في مدته التي هي خمسة وخمسون يومًا . وهو أكبرها في قدسيته ، لأنه صوم المسيح له المجد مع تذكارًا لآلامه المقدسة . لذلك فالخطية في الصوم الكبير أكثر بشاعة .
حقًا إن الخطية هي الخطية . ولكنها أكثر بشاعة في الصوم الكبير مما في باقي الأيام العادية . لأنّ‏ الذي يخطئ في الصوم عمومًا ، وفي الصوم الكبير خصوصً‏ ا ، هو في الواقع يرتكب خطية مزدوجة : بشاعة الخطية ذاتها ، يضاف إليها الاستهانة بقدسية هذه الأيام . إذن هما خطيئتان وليس واحدة .
والاستهانة بقدسية الأيام ، دليل علي قساوة القلب .
فالقلب الذي لا يتأثر بروحانية هذه الأيام المقدسة ، لا شك أنه من الناحية الروحية قلب قاس يخطئ في الصوم ، ينطبق عليه قول السيد المسيح « إن كان النور الذي فيك ظلامًا ، فالظلام كم يكون » ( مت ‏(.‏ ‎6:23‎ أي إن كانت هذه الأيام المقدسة المنيرة فترة للظلام ، فالأيام العادية كم تكون ؟!‏