Tarek El Mahaba August Magazine | Page 4

ان للقديسه العذراء فضائل عديده جدا ، لعل في مقدمتها الاتضاع والاحتمال ، والتعب سواء في خدمه الآخرين مثل تعبها في رحله لزياره اليصابات وخدمتها ، مع انها شابه في حوالي السادسة عشره من عمرها ، وتعبها أيضا في رحلتها الي مصر ذاهبا وإيابا ، واحتمالها مشقه الطريق ، وتعبها داخل مصر حينما كانوا يطردون العائله المقدسة من بلد الي بلد بسبب سقوط الأصنام التي يعبدها المصريون وقتذاك ، الي جوار احتمالها التعب النفساني حينما كانت تري اضطهادات القيادات الدينية اليهوديه لابنها ، وايضاً‏ احتمالها لصلبه . ولما كان من اهم سبل تكريمنا للسيده العذراء ان نفتدي بها ، فإنني أودّ‏ هنا ان اذكر كيف نقتدي بها في الاحتمال . ومن أنواع الاحتمال ، احتمال الظلم ، ونذكر مثالا لذلك يوسف الصديق ، الذي احتمل الظلم من امراه فوطيفار التي اشتكته وادعت عليه ، علي الرغم من انها كانت المخطءه ، واحتمل الظلم من فوطيفار أيضا الذي اخذه وألقاه في السجن ، علي الرغم من انه كان مخلصا له جدا ، وبسبب احتمال يوسف الصديق كافأه الله كثيرا وجعله الثاني في مملكه مصر . وهناك أيضا احتمال العوز والفقر والجوع ، ولعلنا نضرب مثلا لذلك باحتمال لعازر المسكين ، وفيِ‏ الواقع لست اجد في سيره هذا البار اَي سبب جعله يستحق ان يتنعم في أحضان ابينا إبراهيم سوي فضيلة الاحتمال هذه ، فالذي كان يتعذب فيحتمل ، صار يتعزي اخيراً‏ . ومن نواحي الاحتمال أيضا احتمال المرض ، نذكر مثالا لذلك أيوب الصديق الذي احتمل مرضا مؤلمًا من قمت راْسه الي اخمص قدميه ، وقال لزوجته ‏)»‏ الخير نقبل من عند الله ، والشر لا نقبل ؟ ‏»(‏ . ومن اسمي أنواع الاحتمال ، احتمال المجد والكرامه ، ونذكر هنا ان القديسه العذراء قد احتملت مجد التجسد الإلهي في ظهور رئيس الملائكه جبرائيل لها
( القديسه العذراء مريم وفضيله الاحتمال )
وتبشيرها بعمل الروح القدس فيها ، وبان القدوس المولود منها يدعي ابن الله ، واحتملت الظهورات المقدسة ، ومجي المجوس اليها ، وسجودهم لابنها ، وتقديمهم الهدايا ذهبا ولباسنا ومرا ، واحتملت أمجادا كثيره تحيط بابنها ، كل ذلك دون ان تفتخر أو تتعالى ، بل كانت تحفظ كل هذه الأمور متأمله بها في قلبها ، حقا كما قال القديس أنطونيوس الكبير « هناك من يستطيعون احتمال الاساءه ، ولا يستطيعون احتمال الكرامة ، لان احتمال الكرامة اصعب من احتمال الاهانه « ذلك لان شخصا قد ينال كرامه أو رفعه في منصب كبير ، أو مال وفير ، وحينئذ يرتفع قلبه ، ويتعالى علي الآخرين ، وتهز الكرامة روحياته فينتفخ ويتعجرف ! ويتغير قلبه وفكره ، لانه لم يستطع ان يحتمل الكرامه . هناك نوع من الاحتمال قد اختبرته القديسه العذراء مريم وهو احتمال ترك المشيئة ، فما كانت تظن يوما انها ستحبل وتلد ولكن لما اخبرها الملاك ان هذه أراده الله ، أجابت في ترك لمشيئتها « ليكن لي كقولك « ومن أنواع الاحتمال أيضا احتمال اخطا الآخرين ، وفيِ‏ هذا ما اكثر ما يعجز الناس عن احتمال إساءات الغير ، ويحاولون ان ينتقموا لأنفسهم ، ولا يحولون الحد الاخر ، وأتذكر انني قلت يوما في اجتماع لجنة البر « ليس واجبنا فقط ان نعطي الناس احتياجاتهم ، إنما واجبنا أيضا ان نحتمل ضعف هؤلاء في ادعاءاتهم ، فالفقر هو الذي ألجأهم الي ذلك « . من أنواع الاحتمال : احتمال انتظار الرب فقد يصلي إنسان ويطلب طلبه معينه ، وتمر فترت طويله ولا اشعر انه قد نال مراده . وربما يتذمر علي الرب ، ومرت سنوات طويله جدا ولَم ينل هذا النسل ، فلجأ الي الزواج من هاجر برغبه ونصيحه من زوجته ساره ، في عدم الانتظار نقرا في المزمور « اللهم ، الي تنجيتي ، يارب ، الي معونتي أسرع « عبارة أسرع تدل علي ان المصلي لم يحتمل الانتظار . ان الله تبارك اسمه يقدم لنا اكبر . مثال للاحتمال وهوا ذاته احتمل الأمم سنوات طويله وهم يعبدون غيره من أنواع عبادات متعددة وهكذا احتمل الوثنية حتي عادت وأمنت به ، وقد احتمل الشيوعيه في روسيا لمده سبعين عاما ، وهم يشيعون ان لا اله ! وايضاً‏ احتمل الخطاب حتي يتوبوا احتمل اوغسطينوس ، وموسي الأسود ، ومريم القبطية ، وغيرهم ‏.....‏ الي ان تحول هؤلاء الي قديسين ، ولَم يتوبوا فقط ، بل نموا في حياه الفضيله الي درجات عاليه ، واحتمل اللص اليمين طول حياته ، الي ان ذكره هذا اللص علي صليب .
4

قداسة البابا شنودة الثالث

من أوضح الامثله في الاحتمال احتمال الام لابنها في صياحه وبكاءه ، وفيِ‏ عناده وتمسكه برأيه ، نحتمله
في بطنها ، وفيِ‏ حجرها ، وفيِ‏ حملها علي كتفها ، وفيِ‏ تعليمه الحياه . والاحتمال هو وصيه الهيه ، فيقول الكتاب « محتملين بعضكم بعضا « ( افسس‎٤‎ ) ٢ : وايضاً‏ « فيجب علينا نحن الأقوياء ان نحتمل أضعاف الضعفاء « ( روميه ) ١ : ‎١٥‎ اما لماذا نحتمل ؟ فإننا نحتمل أخطاء الآخرين ، كما احتملنا الله أيضا ، وكما يحتملنا ، والاحتمال يدل علي الوداعه ، وطول البال ، وسعه القلب ، ونحن نحتمل الغير أيضا لكي نكسبهم ، وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم ؛ ( هناك طريقه تستطيع بها ان تقضي علي عدوك ، وهوا ان تحول العدو الي صديق ) ، ونحن لا نستطيع ان نحول العدو الي صديق الا باحتمالنا له ، بل واحساننا اليه حسب وصيه الرب . وانت ان لم تحتمل فسوف تتعب أعصابك ، وقد تصاب بمرض من ضغط الدم ، والسكر ، وايضاً‏ تخسر الناس ، وفيِ‏ عدم احتمالك تكون قدوه سيءه لغيرك . واهم سبب للاحتمال هو محبه المخطءين والعطف عليهم وتقدير ضعفهم وظروفهم ، وهكذا قيل عن الرب في المزمور
« لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولما يجازنا حسب أثامنا ، لانه يعرف جبلتنا ، يذكر اننا تراب نحن ، والرب في احتماله لاخطاءنا ، أحيانا يلتمس العذر لنا كما قال الرب علي الصليب طالبا المغفرة لصالبيه « لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون «