Tarek El Mahaba April Issue | Page 4

ماذا لو لم تكن قيامة ؟

قداسة البابا شنودة الثالث

4
لكي ندرك أهمية القيامة ولزومها . علينا ان نتخيل هذا السؤال ماذا كان سيحدث لو لم تكن هناك قيامة ؟ ونري نتائجه الخطيرة ‏...!‏
‎1‎‏-‏ لو لم تكن قيامة . لكان مصير الانسان إلي الفناء ولأصبح الانسان كالحيوان الذي يموت وينتهي تماماً‏ ولا يعود إلي الوجود . وحينئذ نسأل : ما هي إذن الميزة التي يتميز بها هذا الكائن البشري العاقل الناطق . الذي وهبه الله العلم وموهبة التفكير والاختراع . والقدرة علي صنع مركبات الفضاء التي توصله إلي القمر وإلي المريخ . وتدور به حول الأرض . وترجعه اليها سالماً‏ . وحاصلاً‏ علي صور ومعلومات ‏..‏ هذا الانسان الذي قام بمخترعات أخري مذهلة كالكمبيوتر والفاكس وال Mobile Phone وغيرها . هل يعقل ان هذا الانسان العجيب الذي سلّطه الله علي نواحي عديدة من الطبيعة . يؤول جسده إلي مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام ؟!‏ ان العقل لا يصدق هذا ‏..!‏ وإلا لماذا خلقه الله بهذا الوعي . ومنحه كل هذه المواهب ؟!‏ وهو الوحيد الذي ائتمنه الله علي الوحي . وأرسل له الأنبياء . وصنع معه المعجزات ‏..‏ ان كان مصيره ينتهي إلي الفناء . وحفنة من تراب ‏!!‏ وهذا لا يتفق أيضاً‏ مع وعود الله له بالحياة الأبدية . وبالسماء ‏..!‏
‏***‏ ولو لم تكن قيامة . لكان جسد الانسان لا يتميز عن جميع المخلوقات الأخري ذوات الأجساد بينما هو يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً‏ . وان يقوم لبعضها بواجب الرعاية والاهتمام ان أراد . وان يقوم علي البعض الآخر بحق السيطرة والاستخدام . فإن لم تكن هناك قيامة . وأصبح مصير جسده كمصير باقي تلك الكائنات غير العاقلة . إذن لزالت كرامة هذا البشري السيد الذي سلطه الله علي غيره من الكائنات الجسدية ‏..!‏
‏***‏ لو لم تكن قيامة . لضاعت المسئولية الضميرية وخشية الحساب الأخير . فمن المعروف ان الانسان حينما يقوم من الموت . يقف أمام منبر الله العادل ليعطي حساباً‏ عن كل ما فعله بالجسد خيراً‏ كان أم شراً‏ . يعطي حساباً‏ ليس فقط عن أعماله . انما أيضاً‏ عن نياته وأفكاره ومشاعره الداخلية . ومادام سيقوم . فإنه لذلك يحيا حياة التدقيق والحرص . حياة البر والفضيلة التي يقف بها أمام الله في يوم الدين بلا خوف . وأمام الناس بلا خجل . فإن لم تكن قيامة . ولم يكن حساب . ولا خوف ولا خجل ‏..‏ اذن علي رأي المثل « من لا يستحي . فليفعل ما يشاء ‏«!!‏ اذن لو لم تكن قيامة . لانتشر الفساد . وانتشرت الابيقورية التي تقول « لنأكل ونشرب . فإننا غداً‏ نموت ‏«!‏ اذن لتهالك الناس علي ملاذ الناس وعلي شهواتها . مع السعي إلي المادة بكل قوة ولهفة ‏..!‏ ولو لم تكن قيامة . لسادت في العالم شريعة الغاب . وأكل الناس بعضهم بعضاً‏ . واستبد القوي بالضعيف . وساد الظلم والقسوة ‏..!‏ بل لانعدمت المباديء والقيم أو قَّل شأنها وتأثيرها إلي حد بعيد ‏..!‏
‏***‏ لو لم تكن قيامة . لأصبح الموت رعباً‏ . وزالت الشجاعة والتضحية ‏!!‏ حالياً‏ . لا يخاف الشجعان الموت علي رجاء القيامة . ويتقدم الشهداء
إلي الموت غير هيابين . لأنهم يعرفون ان الموت ليس هو نهاية حياتهم . بل يرونه باباً‏ مفتوحاً‏ لحياة في الأبدية لا تنتهي . كذلك أي انسان يموت يكون له عزاء في الحياة الأخري . وبهذا يمكن ان يتقبل الموت بغير جزع . أما ان لم تكن هناك قيامة وحياة بعد الموت . فان الموت يكون مخيفا اذ يمثل نهاية ومأساة . وهذا ما كان يحدث للملحدين . وللطوائف التي تنكر القيامة والروح كالصدوقيين مثلاً‏ .
‏***‏ أن لم تكن هناك قيامة . فان موت أحبائنا وأصدقائنا وأقاربنا يكون سبب حزن شديد جداً‏ لنا لا عزاء فيه ان عزاءنا في موت أحبائنا هو اننا سنراهم في العالم الآخر . ونقول للرب في صلواتنا « انه ليس موتاً‏ لعبيدك . بل هو انتقال ‏«.‏ لذلك نقيم لهؤلاء الراحلين عنا تذكارات في مناسبات عديدة . ونثق انهم سيقومون في اليوم الأخير وسنراهم وتستمر علاقتنا بهم . نفس الكلام نقوله عمن نعجب بهم من أصحاب المواهب ومن مشاهير الناس الذين عاشرناهم . ولهم في قلوبنا صلة تقدير ‏..‏ فان لم تكن قيامة . سنحزن جداً‏ إذ تنقطع صلتنا بكل التاريخ الذي عاصرناه والذي سمعنا عنه . وأيضاً‏ تنقطع صلة هذا التاريخ بنا ‏..!‏ أما الايمان بالقيامة فقدم للبشرية رجاء أوسع من هذا : ليس فقط في تلاقي الأحباء والأصدقاء . وانما أيضاً‏ في تلاقي الأجيال كلها . حيث يلتقي الناس هناك في السماء مع أبينا آدم وأبينا نوح وأبينا إبراهيم وسائر الأنبياء . ومع جميع الأبرار في جميع العصور ‏..‏ ستلتقي الأجيال كلها هناك في القيامة . وان لم تكن قيامة . لا يكون مثل هذا اللقاء المفرح للنفوس . ولعاش الناس في جيل محدود . وفي زمن محدود لا يتعدونه ‏..‏ ولانقطعت صلتنا جميعاً‏ بالأبرار وشفاعتهم .
‏***‏ وإن لم تكن قيامة . إذن سوف لا تكون لنا صلة بالسماء وسكانها ‏..‏ ولا أقصد بالسماء . هذه التي نراها بأعيننا . انما أقصد السماء التي يسكنها الملائكة والتي هي عرش الله ‏..‏ هذه التي لنا أمل فيها بالقيامة والحياة الأخري . حيث نعيش في السماء بعد القيامة . فإن لم تكن قيامة . سنحرم من السماء ومن الملائكة وكل الطغمات السمائية . ويكون حديثنا الآن عن كل هؤلاء حديثاً‏ نظرياً‏ . وكذلك يكون حديثنا عن النعيم الأبدي . وعما لم تره عين ولم تسمع به اذن وما لم يخطر علي قلب بشر ‏..‏ أيكون هذا أيضاً‏ كأنه أحلام أو أوهام ؟!‏ وان لم تكن هناك قيامة ولا سماء . فما معني ان الابرار بعمل الخير يكنزون لهم كنوزاً‏ في السماء . تُحفظ لهم حين يصلون اليها ؟!‏
‏***‏ وأن لم تكن قيامة . فسنُحرم من الحياة المثالية التي في الأبدية نحُرم من ذلك الجو الروحي الذي هناك : حيث لا خطيئة ولا فساد ولا مؤامرات ولا انقسامات ولا شيء من الأخطاء التي في عالمنا ‏..‏ وأيضاً‏ حيث لا تعب ولا ضيق ولا مرض ولا حزن ولا بكاء ‏..‏ بل الجو الذي يسوده السلام والألفة والحب . هذا الأمر الذي نشتهيه ونترجاه . ونحلم ان نراه في العالم الآخر ‏..‏ هل سنُحرم من هذا كله ؟!‏ وهل سنحرم من الحياة المتجانسة في العالم الآخر . التي فيها البشرية كلها معاً‏ بكل أجناسها . بلغة واحدة . يتفاهمون تلقائياً‏ بغير حاجة إلي مترجم ‏..‏ وكلهم بفهم واحد . ومفاهيم واحدة ‏..‏ حيث تبطل الألسنة واللغات التي تميز مجموعة عن أخري ‏..!‏ هل سنحرم من هذا الجو . ان لم تكن قيامة ؟!‏
‏***‏ لو لم تكن قيامة . لما كان هناك تعويض للذين عاشوا حياة مؤلمة أو حياة بائسة علي الأرض ! نذكر من بين هؤلاء المعوقين جسديا . كالعُرج والكسح . والصم البكم .
واصحاب الامراض المستعصية التي كلها ألم . اولئك الذين كانوا يأملون في حياة بعد الموت . ينقذهم الرب فيها من عاهاتهم ومن آلامهم الجسدية والنفسية . ايفعقد هؤلاء الألم ان لم تكن هناك قيامة ‏..!‏ وكذلك هل يعيش المكفوفون في عمي علي الأرض . دون اي أمل في آن يرد الله لهم البصيرة في حياة أخري . ان لم تكن هناك قيامة ! وأيضا الذين عاشوا في فقر وعوز . أو في وظائف محتقرة . أو كانوا خداما أو عبيداً‏ لغيرهم . أو تحت معاملة قاسية ممن لهم عليهم رئاسة أو سيادة ‏..‏ الذين قاسوا قي حياتهم الظلم والاهانة أو التشريد والسبي وامثال هؤلاء ‏..‏ هل لايأملون اطلاقا ان يرد الله اعتبارهم في العالم الآخر . إن لم تكن هناك قيامة وعالم آخر ! ان عدم وجود قيامة يوجد احباطا ويأسا عند كل تلك الامثلة من الناس . وأنه ان لم يكن هناك عدل ومساواة في هذه الحياة الارضية . فكيف لايوجد بعد الموت لون من التعويض ؟!‏
‏***‏ وإن لم تكن هناك قيامة . إذن لاتكون هناك مكافأة للأبرار الذين جاهدوا من أجل حياة الفضيلة علي الأرض اولئك الذين عملوا الخير في الخفاء . وحرموا أنفسهم بسبب تفانيهم في فضيلة العطاء . وجاهدوا من أجل البعد عن كل اغراء ‏..‏ وواظبوا بكل حرص علي الصلاة والصوم . وبعضهم عاش في نسك وزهدوا . رافضين متع الجسد من أجل المتع التي يتمتعون بها بالروح في السماء ‏..‏ وعاشوا في حياة الاحتمال والصبر . وضبط النفس . ومكافحة الشهوات . هل كل هؤلاء لا تكون لهم مكافأة في حياة أخري . ثوابا من الله عن كل تعبهم وجهادهم الروحي علي الأرض ؟!‏ بل يتساوون مع الاشرار الذين نهبوا الارض نهبا . وتهالكوا علي الشهوات . وعاشوا بكل فساد في حياتهم الارضية . دون أية عقوبة . مادام الموت قد ساوي بين الكل . ولا قيامة ‏!!‏ أي عدل يكون هذا ؟!‏ وهل يقول الابرار اذن في أنفسهم : قد خدعنا الانبياء بحديثهم عن الجنة والنار . وعن الثواب والعقاب ‏!!‏ حاشا لله أن يكون هذا . ويتساوي البار والاثيم . ويضيع أجر من أحسن عملا ‏..!‏
‏***‏ وان لم تكن قيامة . الا يكون هذا ضد الإيمان ‏!!‏ وايضا ضد وعود الله ! وضد الوحي الالهي ! وضد الدعوة الي التضحية وبذل الذات ! وضد كل ما تعلمناه عن السماء والحياة الابدية ! وعن النعيم والجحيم ! وضد الصلة بين سكان السماء وسكان الارض ! اذن لابد ان تكون قيامة . ولابد ان يكون حسابا . وان يكون هناك ثواب وعقاب ‏..‏ فالدين يقتضي هذا . وأيضا العقل والمنطق يلزمنا ان نؤمن بهذا ‏..‏
‏***‏ ومادامت القيامة عقيدة وضرورة . فينبغي ان نستعد لها ‏..‏ عارفين ان حياتنا الارضية - مهما طالت - لاتقاس شيئا الي جوار الحياة الابدية التي لانهاية لها والتي هي المصير الحقيقي لجميعنا ‏..‏ فلنستعد للابدية بعمل الخير في كل مكان . ومع كل احد لان كل خير نعمله هنا . سنلقي جزاءه هناك في السماء اضعافا مضاعفة ‏..‏ ولنبعد عن كل شر وشبه شر لان الخطيئة تبعدنا عن الله وعن ملائكته وعن السماء وكل سكانها من ارواح الابرار ‏..‏ ولنفرح بأن الله قد اعد لنا حياة بعد الموت يستمر فيها وجودنا فلا يقتصر علي هذه الحياة الارضية المحدودة التي تشوبها آلام وضيقات ولنشكر الله الذي اعد لنا نعيما أبديا . أسمي من كل ما رأيناه في افراح الارض الزائلة ومتعها التافهة .