Tarek El Mahaba 2018 | Page 6

6
من أجل هذا ، لم يجد المسيح غضاضة أن يحضر ولائم الخطاة والعشارين ويجالسهم ويأكل معهم ويجتذبهم إليه بالحب . ويقول للمرأة التي ضبطت في ذات الفعل : « وأنا أيضً‏ ا لا أدينك » ( يو ) ‎11:8‎ لأنه ما جاء ليدينها بل ليخلصها .
وهكذا قيل عنه إنه « محب للعشارين والخطاة » ( مت ‏(.‏ ‎19:11‎
بل إنه جعل أحد هؤلاء العشارين رسوًلا من الاثني عشر ( متى ‏(.‏ وأجتذب زكا رئيس العشارين للتوبة وزاره ليخلصه هو وأهل بيته ، وقال : « اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت إذ هو أيضا إبن لإبراهيم » ( لو ‏(.‏ ‎9:19‎ فتزمروا عليه قائلين : « أنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ » ولكنه كان يطلب ويخلص ما قد هلك .
إنه لم يحتقر الخطاة مطلقا ، فالاحتقار لا يخلصهم ! إنما يخلصهم الحب والاهتمام ، والرعاية والافتقاد ، والعلاج المناسب ‏…..‏ العالم كله كان في أيام المسيح « قصبة مرضوضة وفتيلة مدخنة ‏«.‏ فهل لو العالم فسد وهلك ، يتخلى عنه الرب ؟!‏ كلا … بل يعيده إل صوابه .
حتى الذين قالوا اصلبه ، قدم لهم الخلاص أيضً‏ ا . وقال للآب وهو على الصليب : « يا أبتاه أغفر لهم ، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون » ( لو ‏(.‏ ‎34:23‎ ولماذا قال : « أغفر لهم ‏«؟….‏ لأنه جاء يطلب ويخلص ما قد هلك . ولهذا فتح باب الفردوس أمام اللص المصلوب معه ‏…..‏
لم يكن ينظر إل خطايا الناس ، إنما إل محبته هو . لم ينظر إل تعدياتنا ، إنما إل مغفرته التي لا تحد . أما تعدياتنا فقد جاء لكي يمحوها بدمه . وحينما كان ينظر إليها ، كان يرى فيها ضعفنا . لذلك قال له المرتل : « إن كنت للآثام راصدًا يا رب ، يا رب من يثبت ؟!‏ لأن من عندك المغفرة » ( مز ‏(.‏ ‎130‎
إنه درس لنا ، لكي لا نيأس ، بل نطلب ما قد هلك . هناك حالات معقدة في الخدمة نقول عنها : « لا فائدة فيها ‏«،‏ فنتركها ونهملها كأن لا حل لها ، بل نقول إنها من نوع الشجرة التي لا تصنع ثمرًا ، فتقطع وتلقى في النار ( يو ‏(.‏ ‎10:3‎ أما السيد المسيح فلم ييأس مطلقًا ، حتى من إقامة الميت الذي قال عنه أحباؤه إنه قد أنتن لأنه مات من أربعة أيام ( يو ‏(.‏ ‎11‎
وهذا درس لنا أيضً‏ ا لكي نغفر لمن أساء إلينا . لأن الرب في تخليصه ما قد هلك ، إنما يغفر لمن أساء إليه . فالذي هلك هو خاطئ أساء إل الله . والرب جاء يطلب خلاصه ‏……!!‏ كم ملايين وآلاف ملايين عاملهم الرب هكذا ، بكل صبر وكل طول أناة ، حتى تابوا وخلصوا . وبلطفه أقتادهم إل التوبة ( رو ‏(.‏ ‎4:2‎
كثيرون سعى الرب إليهم دون أن يفكروا في خلاصهم . وضرب مثالاً‏ لذلك : الخروف الضال ، والدرهم المفقود ( لو‎15‎ ‏(.‏ ومثال ذلك أيضا الذين يقف الله على بابهم ويقرع ، لكي يفتحوا له ( رؤ ‏(.‏ ‎20:3‎ وكذلك الأمم الذين ما كانوا يسعون إل الخلاص ، ولكن السيد المسيح جاء لكي يخلصهم ويفتح لهم أبواب الإيمان . ويقول لعبده بولس : « اذهب فإني سأرسلك بعيدًا إل الأمم » ( أع‎21:22‎ ) لما ذكر القديس بولس هذه العبارة التي قالها له الرب صرخ اليهود عليه قائلين إنه : « لا يجوز أن يعيش » ( أع ‏(.‏ ‎22:22‎ ولكن هداية الأمم كانت قصد المسيح الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك .
جاء الرب يغير النفوس الخاطئة إل أفضل . غير المؤمنين جاء يمنحهم الإيمان . والخاطئون جاء يمنحهم التوبة . والذين لا يريدون الخير جاء يمنحهم الإرادة . والذين رفضوه جاء يصالحهم ويصلحهم . وهكذا كان يجول يصنع خيرًا ( أع‎38:10‎ ‏(.‏
حتى المتسلط عليهم إبليس جاء ليعتقهم ويشفيهم .
لذلك نحن نناديه في أوشية المرضى ونقول له : « رجاء من ليس له رجاء ، ومعين من ليس له معين . عزاء صغيري النفوس ، وميناء الذين في العاصف ‏«.‏ كل هؤلاء لهم رجاء في المسيح الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ‏….‏ إنه عزاء الهالكين وأملهم .
لذلك دعى أسمه « يسوع » أي المخلص ، لأنه جاء يخلص . ولذلك فإن ملاك الرب المبشر ليوسف النجار ، قال له عن العذراء القديسة : « ستلد أبنًا ، وتدعو أسمه يسوع ، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم » ( مت
‏(.‏ ‎21:1‎ مجرد اسمه يحمل معنى رسالته التي جاء من أجلها ، أنه جاء يخلص ما قد هلك ‏…….‏
جاء يبشر المساكين ، يعصب منكسري القلوب . ينادى للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق » ( إش ‏(.‏ ‎1:61‎ ما أحلاها بشرى جاء المسيح بها . لم يقدم للناس إلهًا جبارًا يخافونه ‏….‏ بل قدم لهم أبًا حنونًا يفتح لهم أحضانه ، يلبسهم حلة جديدة . ويضع
خاتمًا في أصبعهم ، ويذبح لهم العجل المسمن ( لو
‏(.‏ ‎15‎ إلهًا يخلصهم من خطاياهم ، ويمسح كل دمعة من عيونهم .
وهكذا أرتبط الخلاص باسم المسيح وبعمله وفدائه . فإن كنت محتاجًا للخلاص ، فأطلبه منه : يخلصك من عاداتك الخاطئة ، ومن طبعك الموروث ، ومن خطاياك المحبوبة ، ومن كل نقائصك . ينضح عليك بزوفاه فتخلص ، ويغسلك فتبيض أكثر من الثلج . هذه هي صورة المسيح المحببة إل النفس ، الدافعة إل الرجاء .
فإن أردت أن تكون صورة المسيح ، أفعل مثله . أطلب خلاص كل أحد . أفتقد سلامة أخوتك . وأولاً‏ عليك أن تحب الناس كما أحبهم المسيح ، وتبذل نفسك عنهم – في حدود إمكاناتك – كما بذل المسيح . وتكون مستعدًا أن تضحى بنفسك من أجلهم . بهذا تدخل فاعلية الميلاد في حياتك .
ثم أنظر ماذا كانت وسائل المسيح لأجل خلاص الناس . أستخدم طريقة التعليم ، فكان يعظ ويكرز ، ويشرح للناس الطريق السليم ، حتى يسلكون بالروح وليس بالحرف . وأستخدم أيضً‏ ا أسلوب القدوة الصالحة . وبهذا ترك لنا مثالاً‏ ، حتى كما سلك ذاك ، ينبغى أن نسلك نحن أيضً‏ ا ( ‎1‎يو ‏(.‏ ‎6:2‎ وأستخدم المسيح الحب ، وطول الأناة ، والصبر على النفوس حتى تنضج . كما أستخدم الاتضاع والهدوء والوداعة . وأخيرًا بذل ذاته ، مات عن غيره ، حامًلا خطايا الكل ‏………‏
فأفعل ما تستطيعه من كل هذا . وأشترك مع المسيح ، على الأقل في أن تطلب ما قد هلك ، وتقدمه للمسيح يخلصه .
وعلى الأقل قدم صلاة عن غيرك ليدخل الرب في حياته ويخلصه . والصلاة بلا شك هي عمل في إمكانك . ولا تكن عنيفًا ولا قاسيًا في معاملة الخطاة ، بل تذكر قول الرسول : « أَيُّهَا الإِخْوَةُ‏ ، إِنِ‏ انْسَ‏ بَقَ‏ إِنْسَ‏ انٌ‏ فَأُخِ‏ ذَ‏ فيِ‏ زَلَّةٍ‏ مَا ، فَأَصْ‏ لِحُوا أَنْتُمُ‏ الرُّوحَانِيِّينَ‏ مِثْلَ‏ هذَا بِرُوحِ‏ الْوَدَاعَةِ‏ » ( رسالة بولس الرسول إل أهل غلاطية : 6 ‏(..‏ 1 كما استخدم الرب روح الوداعة في طلب الناس
وتخليصهم ‏……….‏