مقاالت
الدولة الريعية زمن التحول السياسي
وليس بداللة ‘آخر’ تتحدد برامج وحركة املعارضة من خالله.” (محمد سيد رصاص. املعارضة يف بداية عهد األسد،
األخبار اللبنانية، العدد 6612، 3/21/3102). كام وأن هذه املسائل غابت يف األساس، أو ظلّت غائبة، عن العقلية
ّ
الحاكمة للسلطة دون أي مواجهة للواقع ومآالت انحداره لتستمر يف ذات النهج الذي أدارت وقادت به البالد
والعباد طيلة العقود املاضية وأدى إىل ما أدى إليه اليوم، حيث مل تستطع هذه العقلية قراءته إلاّ بوصفه ‘مؤامرة
ّ
ّ
خارجية’ عليها أو عىل الدولة وشعبها ـ حيث ال فرق عندهم بني املفهومني ـ وليس جراء عوامل داخلية تراكمت
وتفاعلت عرب سنني طويلة لتتجلىّ بهذه الصورة الحركيّة املعقّدة.
والنموذج املرصي مثال صارخ وميلء بالدروس، يف مرص، حيث وقع تغيري سيايس لسلطة الحكم، برموزه
ٌ
وحزبه، ولكن النهج االقتصادي إلدارة املوارد وتوزيعها املجتمعي استمر عىل حاله، وظهر الحكم العسكري، ليظهر
ّ
عند أول عملية انتخابية بعد الثورة، الحكم الديني، أو مرشوعه بصبغ الدولة بلونه، وليعود الحكم العسكري
ّ
مجددا ً مع احتامل بقائه ‘دميوقراطياً’. فهل تتحقق الدميوقراطية مبجرد تغيري سلطة الحكم إىل سلطة أخرى
ّ
بظروف أقل استبدادية من السابق بقليل؟ أي مع تعديالت دستورية ومشاركة عدد من األحزاب السياسية عرب
صندوق انتخاب، دون األخذ بالحسبان أن النمو االقتصادي والتوزيع العادل للدخل والخدمات االجتامعية، من
ٌ
تعليم وصحة وسكن، هي من مقومات الدميوقراطية ورشوط موضوعية النطالقها، ألن حجمها ونوعيتها وعدالة
ّ
توزيعها هي التي ترتقي باإلنسان وبطموحه وبإنتاجيته وخياراته، الذي يُعد، أي االنسان، الهدف النهايئ لعملية
ّ
ِ
التنمية وأساسها، والتنمية حرية ... حسب ما تعلَّمنا من أمارتيا سن .Amartya Sen
االقتصاد الريعي هو ضد االقتصاد اإلنتاجي والعقلية الريعية ضد العقلية اإلنتاجية بالرضورة، االقتصاد الريعي
يستسهل الحصول عىل الرثوة/الريع ليوزّعها عىل مراكز السلطة ثم عىل القلّة املقربني ومن ثم يوزع القليل الذي
تبقى عىل الرشائح األوسع من املجتمع.
ٌ ِ
فال بد من تغيري يتناسب واملضمون املعريف والتاريخي ملفهوم ‘الثورة’، تغيري يُحدث فارقاً يف النهاية لصالح
ّ
الرشائح االجتامعية املهمشة، الحامل االجتامعي للحراك املطالب بالتغيري والذي يرتبط حارضه ومستقبله،
َّ
وجودياً، بهذا التغيري. تغيري يطال البنى املؤسسية للدولة واملجتمع مبستوياتها املادية والقيَمِ
ِ
يَّة: هيكل االقتصاد
ّ
ٌ
ومنط اإلنتاج والتوزيع، عقلية وذهنية اإلدارة الحاكمة ملوارد املجتمع املادية والبرشية. إن تغيري هذه املنظومة
القيَميَّة يسبقه تغيري يف املنظومة املادية للمجتمع، عرب حشد كل الطّاقات لبناء قاعدة إنتاج مادي حقيقي تخلق
ِ َ
ٌ
القيمة وتوزعها من خالل عمليات اإلنتاج والتبادل والتوزيع واالستهالك بالسياق الذي يوظّف ويستخدم القسط
األكرب من املوارد املادية والبرشية استخداماً أمثالً، هذه القيمة وبهذا األسلوب يف التشكّل والتوزيع من شأنها أن
ترسع من عملية الرتاكم املادي واملعريف للبدء مبرشوع التنمية املستدامة الذي يعود عىل اإلنسان السوري ارتقاء
ً
ِّ
ويعب به عتبة التأخّر، وليتعاقد السوريون فيام بينهم عىل أساس حتمية التكامل ووحدة املصالح الوجودية،
رُ
ولتقوم عالقة بني الدولة واملجتمع أساسها التصالح وتبادل املنفعة ال القهر واالستبداد، وليستقل القرار السيايس
-املستند لنظام اقتصادي غري تابع- بدالً من خضوعه ملنطق التوازنات اإلقليمية بصفرية تأثريه عىل تلك التوازنات.
23
العدد 0
أيار / مايو ـ 4102