Delta-N Journal مجلة دلتا نون May. 2014 | Page 32

‫مقاالت‬ ‫الدولة الريعية زمن التحول السياسي‬ ‫وليس بداللة ‘آخر’ تتحدد برامج وحركة املعارضة من خالله.” (محمد سيد رصاص. املعارضة يف بداية عهد األسد،‬ ‫األخبار اللبنانية، العدد 6612، 3/21/3102). كام وأن هذه املسائل غابت يف األساس، أو ظلّت غائبة، عن العقلية‬ ‫ّ‬ ‫الحاكمة للسلطة دون أي مواجهة للواقع ومآالت انحداره لتستمر يف ذات النهج الذي أدارت وقادت به البالد‬ ‫والعباد طيلة العقود املاضية وأدى إىل ما أدى إليه اليوم، حيث مل تستطع هذه العقلية قراءته إلاّ بوصفه ‘مؤامرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خارجية’ عليها أو عىل الدولة وشعبها ـ حيث ال فرق عندهم بني املفهومني ـ وليس جراء عوامل داخلية تراكمت‬ ‫وتفاعلت عرب سنني طويلة لتتجلىّ بهذه الصورة الحركيّة املعقّدة.‬ ‫والنموذج املرصي مثال صارخ وميلء بالدروس، يف مرص، حيث وقع تغيري سيايس لسلطة الحكم، برموزه‬ ‫ٌ‬ ‫وحزبه، ولكن النهج االقتصادي إلدارة املوارد وتوزيعها املجتمعي استمر عىل حاله، وظهر الحكم العسكري، ليظهر‬ ‫ّ‬ ‫عند أول عملية انتخابية بعد الثورة، الحكم الديني، أو مرشوعه بصبغ الدولة بلونه، وليعود الحكم العسكري‬ ‫ّ‬ ‫مجددا ً مع احتامل بقائه ‘دميوقراطياً’. فهل تتحقق الدميوقراطية مبجرد تغيري سلطة الحكم إىل سلطة أخرى‬ ‫ّ‬ ‫بظروف أقل استبدادية من السابق بقليل؟ أي مع تعديالت دستورية ومشاركة عدد من األحزاب السياسية عرب‬ ‫صندوق انتخاب، دون األخذ بالحسبان أن النمو االقتصادي والتوزيع العادل للدخل والخدمات االجتامعية، من‬ ‫ٌ‬ ‫تعليم وصحة وسكن، هي من مقومات الدميوقراطية ورشوط موضوعية النطالقها، ألن حجمها ونوعيتها وعدالة‬ ‫ّ‬ ‫توزيعها هي التي ترتقي باإلنسان وبطموحه وبإنتاجيته وخياراته، الذي يُعد، أي االنسان، الهدف النهايئ لعملية‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫التنمية وأساسها، والتنمية حرية ... حسب ما تعلَّمنا من أمارتيا سن ‪.Amartya Sen‬‬ ‫االقتصاد الريعي هو ضد االقتصاد اإلنتاجي والعقلية الريعية ضد العقلية اإلنتاجية بالرضورة، االقتصاد الريعي‬ ‫يستسهل الحصول عىل الرثوة/الريع ليوزّعها عىل مراكز السلطة ثم عىل القلّة املقربني ومن ثم يوزع القليل الذي‬ ‫تبقى عىل الرشائح األوسع من املجتمع.‬ ‫ٌ ِ‬ ‫فال بد من تغيري يتناسب واملضمون املعريف والتاريخي ملفهوم ‘الثورة’، تغيري يُحدث فارقاً يف النهاية لصالح‬ ‫ّ‬ ‫الرشائح االجتامعية املهمشة، الحامل االجتامعي للحراك املطالب بالتغيري والذي يرتبط حارضه ومستقبله،‬ ‫َّ‬ ‫وجودياً، بهذا التغيري. تغيري يطال البنى املؤسسية للدولة واملجتمع مبستوياتها املادية والقيَمِ‬ ‫ِ‬ ‫يَّة: هيكل االقتصاد‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ومنط اإلنتاج والتوزيع، عقلية وذهنية اإلدارة الحاكمة ملوارد املجتمع املادية والبرشية. إن تغيري هذه املنظومة‬ ‫القيَميَّة يسبقه تغيري يف املنظومة املادية للمجتمع، عرب حشد كل الطّاقات لبناء قاعدة إنتاج مادي حقيقي تخلق‬ ‫ِ َ‬ ‫ٌ‬ ‫القيمة وتوزعها من خالل عمليات اإلنتاج والتبادل والتوزيع واالستهالك بالسياق الذي يوظّف ويستخدم القسط‬ ‫األكرب من املوارد املادية والبرشية استخداماً أمثالً، هذه القيمة وبهذا األسلوب يف التشكّل والتوزيع من شأنها أن‬ ‫ترسع من عملية الرتاكم املادي واملعريف للبدء مبرشوع التنمية املستدامة الذي يعود عىل اإلنسان السوري ارتقاء‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ويعب به عتبة التأخّر، وليتعاقد السوريون فيام بينهم عىل أساس حتمية التكامل ووحدة املصالح الوجودية،‬ ‫رُ‬ ‫ولتقوم عالقة بني الدولة واملجتمع أساسها التصالح وتبادل املنفعة ال القهر واالستبداد، وليستقل القرار السيايس‬ ‫-املستند لنظام اقتصادي غري تابع- بدالً من خضوعه ملنطق التوازنات اإلقليمية بصفرية تأثريه عىل تلك التوازنات.‬ ‫23‬ ‫العدد 0‬ ‫أيار / مايو ـ 4102‬