Delta-N Journal مجلة دلتا نون May. 2014 | Page 30

‫مقاالت‬ ‫الدولة الريعية زمن التحول السياسي‬ ‫عند بدء ظهور الحركات االحتجاجية يف املنطقة العربية من تونس إىل البحرين مرورا ً بسوريا، كان هنالك‬ ‫مجموعة من العوامل؛ الذاتية واملوضوعية، الداخلية والخارجية، عوامل يف سياق الفعل وأخرى يف سياق رد‬ ‫الفعل، ساهمت بهذا القدر أو ذاك يف تشكّل هذه الظاهرة ومآالتها، أي االحتجاجات العلنية الغاضبة، وإعادتها‬ ‫إىل املرسح السيايس العريب بعد عقود من الجمود. ورسعان ما تحولت من مستوى الظاهرة إىل مستوى يقارب‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حالة من القطْع التاريخي بني مرحلتني متاميزتني بشكل جيل: ما قبل االنتفاضات الشعبية، وما بعدها. وإن كان‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لكل دولة ظروفها الذاتية التي تخصها دون غريها، إلاّ أن هناك ظروفاً موضوعية تتشابه فيام بني الدول وبنسب‬ ‫ّ‬ ‫متفاوتة بحسب اكتامل هذا الظرف ونضجه، يتجلىّ هذا الرشط املوضوعي بوضوح عىل مستويني: البنية الريعية‬ ‫للدولة والعقلية الريعية املسيطرة عليها، وبنية املجتمع املحكوم وطبيعة مؤسساته وتنظيامته غري الخارجة عن‬ ‫سلطة الدولة.‬ ‫فعىل مستوى الدولة، ميكن الحديث عن االقتصاد الريعي، الذي يقوم عىل مصادر ريعية ـ غري إنتاجية ـ‬ ‫خارجية: كالعوائد النفطية واملساعدات الخارجية وعوائد خدمات السيادة (ترانزيت) نقل بحري ... إلخ’ باإلضافة‬ ‫لتحويالت املغرتبني والعاملني بالخارج، أو داخلية: كالدخول التي تتكون يف القطاعات الخدمية كاملصارف والتأمني‬ ‫واألسواق املالية والعقارات والسياحة. يُعتَرب االقتصاد الريعي حجر األساس للدولة الريعية، تحديدا ً عندما يقرتن‬ ‫هذا االقتصاد بنظام سيايس تديره عقلية ريعية، مبا تحمله من أبعاد سياسية واجتامعية فضالً عن االقتصادية،‬ ‫فالعقلية الريعية هي أسلوب متكامل إلدارة املوارد املادية والبرشية، ينطلق من منط اقتصادي (ريعي)، ليتجاوز‬ ‫االقتصاد ويطال البنية االجتامعية والثقافية واألخالقية أيضاً، ليصبح يف نهاية املطاف ناظامً ومسيرّا ً لكيفية إدارة‬ ‫الدولة وصنع القرار السيايس، لسلطة تجني وال تنتج، تكسب وال توزّع، تتثبت وال تتغيرّ. ويذكر االقتصادي املرصي‬ ‫ّ‬ ‫حازم الببالوي يف كتاب ‘الدولة العربية’، الذي شارك جياكومو لوتشياين بتأليفه، أنه يف الدولة الريعية يعمل الجزء‬ ‫األسايس من املؤسسات وقوة العمل يف التوزيع واالستهالك، وتستطيع الدولة عن طريق التمركز واالحتكار أن‬ ‫تجعل مجموعة صغرية مرتبطة بها تعمل يف ميدان االقتصاد والسياسة.‬ ‫وعىل مستوى املجتمع، تعيش األغلبية من شعوب هذه الدول حالة من التهميش والفقر والبطالة ونقص‬ ‫03‬ ‫العدد 0‬ ‫أيار / مايو ـ 4102‬