مقاالت
الدولة الريعية زمن التحول السياسي
عند بدء ظهور الحركات االحتجاجية يف املنطقة العربية من تونس إىل البحرين مرورا ً بسوريا، كان هنالك
مجموعة من العوامل؛ الذاتية واملوضوعية، الداخلية والخارجية، عوامل يف سياق الفعل وأخرى يف سياق رد
الفعل، ساهمت بهذا القدر أو ذاك يف تشكّل هذه الظاهرة ومآالتها، أي االحتجاجات العلنية الغاضبة، وإعادتها
إىل املرسح السيايس العريب بعد عقود من الجمود. ورسعان ما تحولت من مستوى الظاهرة إىل مستوى يقارب
ّ
ً
حالة من القطْع التاريخي بني مرحلتني متاميزتني بشكل جيل: ما قبل االنتفاضات الشعبية، وما بعدها. وإن كان
َ
ّ
لكل دولة ظروفها الذاتية التي تخصها دون غريها، إلاّ أن هناك ظروفاً موضوعية تتشابه فيام بني الدول وبنسب
ّ
متفاوتة بحسب اكتامل هذا الظرف ونضجه، يتجلىّ هذا الرشط املوضوعي بوضوح عىل مستويني: البنية الريعية
للدولة والعقلية الريعية املسيطرة عليها، وبنية املجتمع املحكوم وطبيعة مؤسساته وتنظيامته غري الخارجة عن
سلطة الدولة.
فعىل مستوى الدولة، ميكن الحديث عن االقتصاد الريعي، الذي يقوم عىل مصادر ريعية ـ غري إنتاجية ـ
خارجية: كالعوائد النفطية واملساعدات الخارجية وعوائد خدمات السيادة (ترانزيت) نقل بحري ... إلخ’ باإلضافة
لتحويالت املغرتبني والعاملني بالخارج، أو داخلية: كالدخول التي تتكون يف القطاعات الخدمية كاملصارف والتأمني
واألسواق املالية والعقارات والسياحة. يُعتَرب االقتصاد الريعي حجر األساس للدولة الريعية، تحديدا ً عندما يقرتن
هذا االقتصاد بنظام سيايس تديره عقلية ريعية، مبا تحمله من أبعاد سياسية واجتامعية فضالً عن االقتصادية،
فالعقلية الريعية هي أسلوب متكامل إلدارة املوارد املادية والبرشية، ينطلق من منط اقتصادي (ريعي)، ليتجاوز
االقتصاد ويطال البنية االجتامعية والثقافية واألخالقية أيضاً، ليصبح يف نهاية املطاف ناظامً ومسيرّا ً لكيفية إدارة
الدولة وصنع القرار السيايس، لسلطة تجني وال تنتج، تكسب وال توزّع، تتثبت وال تتغيرّ. ويذكر االقتصادي املرصي
ّ
حازم الببالوي يف كتاب ‘الدولة العربية’، الذي شارك جياكومو لوتشياين بتأليفه، أنه يف الدولة الريعية يعمل الجزء
األسايس من املؤسسات وقوة العمل يف التوزيع واالستهالك، وتستطيع الدولة عن طريق التمركز واالحتكار أن
تجعل مجموعة صغرية مرتبطة بها تعمل يف ميدان االقتصاد والسياسة.
وعىل مستوى املجتمع، تعيش األغلبية من شعوب هذه الدول حالة من التهميش والفقر والبطالة ونقص
03
العدد 0
أيار / مايو ـ 4102