bimarabia BIMarabia02 | Page 8

أحمد لطفي
Sr . Architect / Artist / Sr . ahmad . lutfi . v @ gmail . com
إن أول توثيق تاريخي لمصطلح
نمذجة معلومات البناء يظهر بشكل غير صريح في بحث للمهندس الأمريكي “ دوغلاس انجلبرت ” في عام ‎1962‎ يقول فيه ” بعد ذلك يبدأ المهندس بإدخال سلسلة من المواصفات والبيانات 6 بوصات لسماكة البلاطة و ‎12‎بوصة لسماكة الجدران الخرسانية المثبتة بعمق 8 أقدام وهكذا , وعندما ينتهي يظهر المشهد على الشاشة هيكلا ذو شكل يقوم المهندس بمعاينته وتعديله ‏...‏ ثم تزداد قوائم المعلومات المدخلة هذه وتترابط أكثر مما يشكل فكرا ناضجا داعما للتصميم الفعلي ” انتهى الاقتباس .
كان ذلك عام , ‎1962‎ حيث وضع دوغلاس مبدأً‏ دمج المعلومات في هيكل واحد وليس فصلها وليس الفصل الذي انساقت وراءه أغلب الأختصاصات العلمية لاحقا بهدف التخصص في شتى المجالات وليس في مجال البناء فقط .
في الحقيقة فان العالم المذكور أعلاه كان يجري بحثا حول العلاقة التفاعلية بين الإنسان و الكمبيوتر والاستفادة منها “ لجعل العالم مكان افضل “ كمان كان يقول , وليس عن ال ” BIM “ حصراً‏ , ولتقريب الموضوع فمن المفيد هنا أن نتذكر أن الرجل ذاته هو مخترع فأرة الكمبيوتر التي يستعملها المليارات اليوم كأداة أساسية للتفاعل مع الكمبيوتر أو الحاسب الألي . وهو ما أعطى ال “ BIM “ دفعة قوية وإمكانات اكبر , لكن في الحقيقة أسلوب الBIM في البناء كان موجوداً‏ قبل ذلك بكثير وسنة ‎1962‎ لم تكن هي فعلا أول سنة يفكر فيها أحدهم بدمج المعلومات الهندسية معا ؟
ماذا عن تلك الصروح الهائلة ومعجزات العالم القديم التي يقف مهندس اليوم ‏-المتطور نوعا ما-‏ مذهولا أمامها , ليتساءل كيف بنيت وما الاسلوب المتبع آن ذاك لهندستها وبنائها ؟
BIM هل هو علم مستحدث فعلا , أم أنه علم ضارب في القدم ؟!‏
وإذا فرضنا جدلاً‏ أن ما نحن فيه اليوم من فكرة دمج المعلومات في هيكل تفاعلي واحد هي قمة التطور فلا بد أن فكرة فصلها في مخططات منفصلة تبعا للاختصاص كانت فكرة سيئة .
حسنا هناك من يعتقد ذلك بالفعل , ولإثبات ذلك علينا أولا التفكر في أصل صنعة البناء ( قبل أن تتحول الى هندسة متعددة الأقسام والاختصاصات ) وتطورها عبر العصور . فمنذ أن اتسعت العلوم ( تحديدا العلوم الهندسية ) واضطر الإنسان للتخصص ليستطيع الإلمام بكم المعلومات الهائل و المتسارع ليمارس مهنته ويشكل فرقا في هذه المهنة التي غالبا ما يشغلها عدد هائل من الناس , منذ ذلك الحين أصبح المهندس مع اختلاف اختصاصه أقل أبداعاً‏ .
ولأثبات ذلك دعونا نعود للأحد صروح البناء في العالم القديم كأهرامات الجيزة مثلا والذي لا يزال يقف شامخا صامدا حتى اليوم كتحفة معمارية . هذا الصرح والذي كان ‏-غالبا - وراء تصميمه وتنفيذه شخص واحد فقط , هذا الرجل كان الفنان والمصمم والمعماري ومدير المشروع ومندوب المالك و المهندس الإنشائي والميكانيكي والمصمم الداخلي و مصمم المناظر الطبيعية و حتى إستشاري الإستدامة أو المباني الخضراء ‏...‏
هل هذا معقول ؟ , هل يمكن لإنسان واحد الإحاطة بعدة علوم مختلفة مرة واحدة حتى لو كانت مما نسميها اليوم ( علوم بدائية أو أساسية ) ؟ أجل كان هذا ممكنا في الحقيقة , وهذه العلوم ليست أساسية ولا بدائية , إنها في الحقيقة علوم ناضجة و وأعتمدت عليها علوم العالم الحديث لتصل الى ما وصلت اليه اليوم ! بدليل انها لا تزال تدرس حتى اليوم في مراحل دراسية و جامعية مختلفة
يقول البروفسور جورج رايت في كتابه “ الأبنية القديمة في جنوب سوريا وفلسطين “ :
” إن أول دليل حقيقي لمخططات معمارية ومخططات تنفيذية يدوية اكتشفت في الشرق الأوسط وتحديدا في بلاد ما بين النهرين و في مصر , وقد وُ‏ ضِ‏ حت فيها تفاصيل الواجهات قائمة على المساقط مباشرة في مخطط واحد والذي كان أسلوبا رائعا للمحافظة على التطابق والتناسق بين المساقط والواجهات “
يقول البروفسور روبرت جارلاند في كتابه “ الجانب الأخر من التاريخ ( الحياة اليومية في العالم القديم ) “ ان الحرفة في مصر القديمة مثلا , كانت حكرا على العائلة الواحدة وكانت هذه هي الحال في معظم مناطق العالم القديم فالبنَاء مثلا سيعلم أولادة البناء وسيرثون المهنة عن أبيهم مع كل أسرار المهنة و لا ننسى أن ذلك الأب ورثها عن جده الذي ورثها عن أبيه الذي ورثها عن جده وهكذا ستجد في رجل بناء واحد خلاصة خبرة عشرة أجيال مثلا أي خبرة ‎330‎ سنة
8